Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

خطر اقتصاد اصدقاء الحكومة !!! قراءة في الوضع المغربي.

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين.
مامن شك على ان مهام الحكومات في الدول هو عملها من اجل توفير شروط الاستثمار مع التوازن الواجب بين الاستثمار الوطني و الاستثمار الاجنبي ، وهذه الشروط تجمع بين جوانب متعددة تجعل من المغرب نقطة جذب و تشجع الرساميل الوطنية والاجنبية على حد سواء ، وحرص الحكومة عبر مؤسساتها التشريعية في مقدمتها البرلمان على ضمان السلم الإجتماعي الذي يرتكز على لازمة الحقوق و الواجبات مما يتحقق معه الامن و العدالة الإجتماعية وكلها عناصر حاسمة في خلق جو للنمو الإقتصادي و التحصين المالي ، مما يعنيه ذلك من تحسن مؤشر التنمية .
كل سوق مهما كانت درجة الرواج فيه إذا لم يخضع لقوانين و انظمة تحول الى حلبة يأكل فيها الكبير الصغير ، لذلك فإن مجالات الاستثمار تنتعش بقدر سيادة الحكامة و تكافؤ الفرص ، و العدالة الضريبية …
لذلك كان التوجه العام الذي كان يربط الحكومة بالمجتمع هو ان الحكومة تنبثق من صلب المجتمع عبر إنتخابات دورية يختار فيها المواطنون من يمثلهم و يحكمهم .
فعرفنا في مراحل من بلادنا كيف ان المواطنيين كانوا يصوتون على مناضلين ليكون دور المؤسسة التشريعية البرلمان والمؤسسة التنفيذية الحكومة هو خلق التوازن الواجب بين القطاع العام و الخاص و بين المواطنيين و المتمكنين في شرايين حياتهم من شركات و مقاولات و لوبيات مؤسساتية .
ساعتها إستطاعت المؤسسة التشريعية عبر بوابة المعارضة ان تحول دون توغل الحكومة في تمرير قرارات تمس بمصالح الناخبين ، و كانت تدعم هذا التوجه عبر تنظيمات حزبية و نقابية تبرز ان المجتمع حي و يتفاعل مع ممثليه بالبرلمان و معركتهم التصدي للقرارات التي تمس قدرتهم الشرائية و تضرب حقهم في العيش الكريم .
في طريق هذا التمرين الديموقراطي عرفت المؤسسة التشريعية ملتمس الرقابة ،و عرفت الشوارع انتفاضة الكوميرة ، وعرفت المؤسسات الحزبية بيانات و مواقف حازمة تترجم عبر إضرابات وطنية ناجحة .
كان التصويت مؤطرا بخلفية : المستضعفون ينتخبون من يتقوى بهم في مؤسسات الدولة ، في إطار ميثاق يجعل التصويت تعبيرا عن موقف و اسلوبا حضاريا في التغيير عبر الاصلاح و التدافع المجتمعي الذي يدفع بالدولة الى التطور و التحسن .
فجأة جاء الربيع العربي الذي رمى بصناديق الاقتراع في سلة المهملات وعلت اصوات الثوار تسقط رئيسا و حكومة و نظاما باكمله ، لكنها اصوات ليس حاملة لمشروع اقتصادي او حتى بخلفية حقوقية ، كان الامر اشبه بصوت يدعو الى مدينة افلاطون ، حيث يكون خطاب العقيدة هو ما يوحد الناس لشد الطريق نحو الدولة الإسلامية .
كان هذا واضحا في مصر لكنه اخد ابعادا اخرى في تونس وليبيا وادت الى حالة عدم استقرار يستمر الى اليوم .
في المغرب جاء صوت حركة عشرين فبراير بنفحة حقوقية ،ومطالب يسارية و شعارات تنبه لهيمنة إقتصادية تهدد السلم الإجتماعي و تضرب تكافؤ الفرص بعرض الحائط .
فجاءت صناديق الاقتراع بعكس الفاعلين في الحركة ، ليجد انصار التغيير انفسهم على هامش التحول الجديد بالبلاد .
وحكم الإسلاميون و برز حضورهم في الإستعراضات الكبيرة لعضلات الحزب في التجمعات و الإجتماعات الحزبية ، و حصل تحول من خطاب الرزانة و المفاهيم و تقعيد الخطاب بخلفية اديولوجية فيها لمسة تخليق الحياة العامة الى خطاب الفكاهة و الحماس و “لي جاك افمي قولو “,
الناخبون خرجوا من التصويت الفكري الى التصويت العاطفي بخطاب ديني يجلب المكاسب لكنه يقف مكتوف الايدي امام تعقيدات و اكراهات تدبير الدولة .
هذه الوضعية جعلت المغرب منقسما كما كان الحال ايام الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، يسار يحس ان المكاسب التي حققتها الحركة سرقت منه و نسبت للإسلاميين ، فيما الإسلاميون يرون ان الشعب إختارهم وفق السياق الدولي العام الذي اوصل الإخوان المسلمين لرئاسة مصر . وامام ضعف و إهتراء المؤسسات الحزبية منذ ظهور الوافد الجديد و الاستهداف الممنهج للقوى الحية بالبلاد وفي مقدمتها النقابات التي اقبرت ببدعة التنسيقيات ، كل هذا جعل الإسلاميين يؤكدون انهم لم يسرقوا مكاسب حركة 20 فيراير ، ولكنهم يقودون تجربة هي من صلب انتظارات الجماهير ،وما يؤكد صحة وجهة نظرهم هو ان الشعب اعطاهم ولاية ثانية رغم كل الإكراهات التي قادت لتنحية زعيمهم عن قيادة الحكومة .
لولايتين سادت سلوكات مجتمعية فيها كثير من سلوكات حسن البنا عبر مظاهر جديدة في الممارسة الحزبية و اسلوب التسيير و تضخم التعويضات و التوثر بين الحكومة و الدولة العميقة بما فيها القطاع الإقتصادي و المالي .
وبعد كورونا وجد المواطن نفسه محبوسا بمنزله عاجزا عن ضمان قوت يومه الذي ادرك ان وضعه الغير مهيكل ضمن مؤسسة الدولة جعله غير محمي من وضع مثل كورونا .
كما ان الخطاب الحقوقي لليسار ولا الخطاب الديني للاسلاميين لم يستطع ان يقدم بدائل للمواطنين .
هنا ستظهر الشركات الكبرى التي دفعت بسخاء لدعم المواطنين فزادت حركة القفف بمناسبة و بغير مناسبة ، بل تسابق رجال الاعمال والمقاولون و مدراء الشركات الكبرى للمساهمة في صندوق كورونا .
هنا بدأ يتشكل نمط جديد في رؤية العملية السياسية ، حيث سيتحقق حلم الزواج الكاتوليكي بين المال و السلطة ، فرغم ان الشعب خرج توا من كورونا الا انه فتح في وجهه الفضاء العمومي ليعتو فيه فسادا فبدأ المواطن يجتهد في البحث عن قوت يومه بشكل كرس عند المواطن وقوى عنده النرجسية و بدأ الفرد ينسل من إلتزاماته الجماعية سواء في الاحزاب او النقابات او العمل الجمعوي او حتى الاسرة نفسها فتزايدت ارقام الطلاق .
ولأن الإنتخابات على الابواب اصبح المواطن بهذه النزعة المركبة فريسة سهلة لتجار الإنتخابات و لاصحاب المال و الاعمال ،و حتى لأجنحة من السلطة غارقة في زواجها الكاتوليكي مع المال .
وبذلك يكتمل العقد ب ” شراء المواطن “, وانتقاله من التصويت الفكري الى التصويت العاطفي و منه مباشرة الى التصويت المصلحي الشخصي .
و بذلك صوت المواطن برضاه و بكامل قواه العقلية على نفس الذين قاد ضدهم حملة المقاطعة التي كانت غير مسبوقة في تاريخ المغرب .
الذين كانت المؤسسة التشريعية ايام معارضة اليسار تمنعهم من التوغل في المجتمع استطاعوا ان يحصلوا على تفويض من المجتمع بان يقودوا مؤسساته التشريعية و التنفيذية ، واصبحت الحكومة و البرلمان نادي لرجال الاعمال و اصحاب المال الذين كانوا في حاجة الى النفوذ كي تكتمل سلطتهم و تتوسع مصالحهم و تتجذر عروقهم في اوساط الناس .
وهنا كان الإمتحان الصعب ،وهو هل تستطيع الدولة او نظام الحكم ان يحمي المواطنين من اي انحراف مفترض في توجه الحكومة للمس بتكافؤ الفرص و العدالة الإجتماعية .؟
الملكية التي ظلت بلا تلميع او رمي النظام بالورود حريصة على تحقيق التوازن بين العملية السياسية و انتظارات المواطنين ، فقد كانت خطب الملك هي ذلك الصوت الذي يبعث على الثقة في العملية السياسية عبر اطلاق برامج من صلب حماية المواطنيين ، ولعل ابرزها و اكثرها عمقا و فهما لمخلفات الحجر الصحي تعميم التغطية الصحية و تعميم الدعم الإجتماعي .
مشروع رائد كان من الممكن ان يخفف على المواطن حجم الازمة التي يعاني منها المجتمع بسبب غلاء الاسعار و البطالة و التضخم … إلا ان عملية التنزيل شابتها عيوب بسبب بدعة المؤشر و التسجيل في السجل الإجتماعي ، حيث افرغ المشروع من محتواه و تحول الى مسلسل ممل وطويل فقد المواطن ثقته فيه وإعتبره إرادة ملكية تكسرت على اعتاب حكومة التوغل الإقتصادي على حساب الجوانب الإجتماعية .!!!!
وضع سيزداد سوءا عندما تستمر سنوات الجفاف مما يدفع الدولة عبر الحكومة الى استيراد مواد كانت الى الامس القريب تحقق فيها الاكتفاء الذاتي و نخص هنا قطيع البهائم الموجهة لاضحية العيد وبعدها اللحوم المجمدة الموجهة الى الاسواق ، و محطات تحلية المياه …
المؤسف هنا هو ان هذه المبادرات ابانت عن حجم المأزق الذي تعيش فيه بلادنا ،حيث كل المستفيذين من صفقات الإستيراد كلهم ينتمون الى احزاب التحالف الحكومي ،بل برزت شركات جديدة تركب موجة التوجه الاقتصادي الحكومي وصل الى حد ان الحكومة اصبح لها اصدقاء حزبيين لا يخجلون عن الحديث عن مشارعهم رغم تبوث تضارب المصالح ، بل إن رئيس الحكومة نفسه وتحت قبة البرلمان و بصفة رئيس الحكومة يتحدث بكل اريحية عن حصوله على صفقة تحلية المياه في الدار البيضاء .
هل نسير على هوى رئيس الحكومة ونفاخر بهذه الشركة الوطنية المغربية التي فازت على المستثمرين الاجانب و حمت مشروعا هيكليا للدولة و قدمت مبلغا اقل كي لا تفرغ ميزانية الدولة ،وفوق كل هذا وذاك ، يتحقق مبدأ “زيتنا في دقيقنا “؟؟؟!!!!!
ام اننا نقول ان الحكومة بهذه الخطوة الجريئة التي قام بها رئيس الحكومة وتحت قبة البرلمان قد اعلنها “بالفم المليان ” دون خوف او خجل ، ان الحكومة هي الكل في الكل ، وان مصلحة الوطن من مصلحة الحكومة ،وان مادام رجال الاعمال هم الحكومة نفسها فلا وجود لتضارب المصالح لان الدولة اصبحت هي رجال الاعمال و هم الحكومة وهم المؤسسة التنفيذية و التشريعية …
الإشكال ان سلوك رئيس الحكومة هو مس بروح الدستور ، ومس بنظام الدولة التي تعتمد على مبادئ يضربها هذا السلوك في العمق .
اليوم بتفويض شعبي ـ كل يراه ويحلله من زاويته ـ الحكومة تلبس لباسها الطبيعي وهو الليبرالية المتوحشة التي تتوغل دون خوف من اي متابعة او محاسبة لسبب بسيط وهو ان ميزان الدولة إختل ، مواطن باع صوته و يركب موجة المرحلة بحثا عن مكاسب هي فتات ما يتبقى من صفقات جهات حكمت قبضتها على الإقتصاد الوطني وعلى دهاليز الدولة عبر حكومة محكومة بحكومة ظل هي من توجه و تقرر .
في المحصلة تمطرنا التلفزة في نشراتها الرئيسية بنجاحات للدولة و الحكومة وهي تفتح المصانع و تنجز البنية التحتية و تستقبل المحافل و التظاهرات الدولية حتى ان مديرة صندوق البنك الدولي رقصت مع القردة بجامع الفنا،
لكن في البيوت و الشوارع ، غلاء اسعار ، تدهور القيم ،تفكك الاسر ،موت التنظيمات ، إنتشار اللامبالاة ، و تدهور الشعور بالإنتماء ، وتدني مستويات المواطنة .
رواج تجاري خادع فيه تدوير للاموال بعيدا عن حقوق الدولة في الضريبة وواجبات المواطن في الدعم الإجتماعي و التغطية الصحية …
هناك ازمة تنتشر داخل مجتمع بدأ يفقد تدريجيا حس التضامن و التكافل و كل يقول “راسي يا راسي “,
قد يبقى الوطن مستقرا لوقت طويل ،لكنه مع الاسف يربي في أحشاءه نهاية لا تبشر بالخير ، لأن اجيالا تضيع وقيما تمحى و علاقات تتفكك ،
ولا خيار لهذا الوطن سوى تحكيم ملكي يكون عبر إجراءات حازمة تعيد التوازن الواجب بين الفقراء و الاغنياء وبين الحاكمين و المحكومين .
والحمد لله على نعمة الملكية ،نعمة الامل و الحماية .
فهل تعتبرون ؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.