Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

حضور المهاجرين الأفارقة في أوراش البناء يجدد الجدل حول التشغيل بـ”النوار”

أحدث تصاعد وتيرة هجرة الشباب الأفارقة نحو المغرب تحولات اجتماعية واقتصادية كبرى، حيث بدأت تؤسس لقوة عاملة مهمة، ما فتئت تسيطر على عدد من القطاعات الاقتصادية، على رأسها البناء والأشغال العمومي، ليهمن هؤلاء العمال الجدد على ورش مشاريع العقار والأشغال في مناطق مختلفة من المملكة، خصوصا في جهة الدار البيضاء-سطات، مستغلين تراجع حضور اليد العاملة المحلية، التي تعتبر نشاط البناء موسميا لا يرقى إلى أن يكون موضوع مسار مهني.

وبالنسبة إلى عبد المولى موريد، منعش عقاري، فإن شركات البناء تواجه نقصا حادا في اليد العاملة المغربية، ويرجع ذلك إلى اعتبار كثيرين أن العمل في البناء موسمي أو مؤقت، مؤكدا في تصريح لهسبريس أن المهاجرين الأفارقة، الذين يقيمون في المغرب، وجدوا في ظل هذا الواقع فرصا للشغل في هذه الورش بشكل مستمر. وبالتالي، أصبح حضورهم في مواقع البناء في جهة الدار البيضاء-سطات، مثلا، جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الحالية.

هذه الوضعية أصبحت تطرح تساؤلات عديدة حول الوضع القانوني لهؤلاء العمال. فرغم أن العديد منهم يشتغلون في ظروف غير مستقرة، إلا أن وضعيتهم القانونية فيما يخص تصاريح الإقامة والعمل تظل غير واضحة، ما يفتح الباب أمام التساؤلات حول مدى توافق هذه العمالة مع التشريعات المنظمة للهجرة والشغل بالمملكة، خصوصا أن المادة 9 من الظهير رقم 1.03.194، الصادر بتنفيذ القانون المنظم لمدونة الشغل، تنص على ضرورة حصول العمال الأجانب على تصاريح للعمل بشكل قانوني في المغرب. ومع ذلك، يبدو أن العديد من المهاجرين الأفارقة العاملين في مواقع البناء لا يحملون هذه التصاريح، مما يخلق غموضا حول قانونية وجودهم في هذه المواقع​.

العمل في “النوار”

تشير الإحصائيات الخاصة بالمراقبة الصادرة بين الفينة والأخرى إلى تركز حالات عدم التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في قطاع البناء والأشغال بشكل رئيسي، متبوعا بقطاع النسيج والألبسة، ما يعزز بدرجة أكبر واقع موسمية هذا النشاط، الذي يستقطب العاملين لفترة زمنية محددة، تنتهي باستكمال المشروع وإغلاق الورشة، قبل أن تتخذ ظاهرة التشغيل في “النوار” أبعادا أخرى بتوافد فئة جديدة من اليد العاملة المشكلة من المهاجرين الأفارقة، الذين طالتهم الظاهرة المذكورة، بسبب سهولة استقطابهم وكلفة تشغيلهم المنخفضة مقارنة مع العمال المحليين، المستقدم أغلبهم من البوادي.

ووفقا لمحسن فكار، مستشار في مكتب للتشغيل في الدار البيضاء، فإن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالظروف التي يعمل فيها هؤلاء المهاجرون الأفارقة. فهم غالبا ما يشتغلون في “النوار”، أي بدون عقود شغل واضحة، مما يحرمهم من الحماية الاجتماعية، مثل التغطية الصحية أو التعويض في حالة وقوع حوادث الشغل، مؤكدا أنه في ظل غياب العقود والضمانات القانونية، فإن العمال المهاجرين في كثير من الأحيان يجدون أنفسهم محاصرين في ظروف هشة.

وأضاف فكار، في تصريح لهسبريس، أنه من الناحية القانونية، فإن عدم الحصول على تصاريح الشغل أو تسجيل العمال الأجانب يمكن أن يضع الشركات في مواجهة مع القانون، ذلك أن المادة 64 من مدونة التجارة تنص على أن الشخص الذي يمارس نشاطا تجاريا أو اقتصاديا بدون الترخيص المطلوب قد يتعرض لعقوبات تشمل الحبس أو الغرامة، مشيرا إلى أن هذه الأحكام تضع شركات البناء والمنعشين العقاريين أمام ضرورة إعادة النظر في مدى شرعية تشغيل هؤلاء العمال.

تداعيات اقتصادية خطيرة

بغض النظر عن التحديات القانونية المشار إليها، فإن التكامل الاقتصادي للمهاجرين في قطاع البناء يوفر مزايا اقتصادية واضحة للشركات، ذلك أن الاعتماد على هذه اليد العاملة يساعد على سد الفجوة التي خلفها النقص في العمال المغاربة، ما مكن الشركات من مواصلة تنفيذ مشاريعها.

في هذا الصدد، قال عبد الرحيم آيت سالم، صاحب مقاولة للبناء، إن العمال المهاجرين يلعبون دورا حاسما في إنجاز المشاريع في الوقت المحدد، لكن تشغيلهم في ظل ظروف قانونية غير واضحة يعرض الشركات لمخاطر قانونية قد تكون لها تبعات خطيرة.

وأفاد آيت سالم، في تصريح لهسبريس، بأن هذا الوضع يطرح سؤالا ملحا حول مدى إمكانية توفيق القطاع الاقتصادي، خصوصا قطاع البناء، بين الحاجة المتزايدة إلى العمالة والحفاظ على الالتزام بالقوانين المتعلقة بالهجرة والعمل، موضحا أن مدونة الشغل تفرض تنظيم أوضاع العمال الأجانب، بما في ذلك ضرورة الحصول على تصاريح الشغل والتسجيل لدى الضمان الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات غير مطبقة بشكل كاف في العديد من الحالات، ما يؤدي إلى استمرار نشاط العمال المهاجرين في ظروف غير قانونية.

وتابع المقاول ذاته بأنه “من أجل تجنب هذه الأوضاع غير القانونية، سيكون من الضروري أن تعمل الشركات على الامتثال للمتطلبات القانونية، بما في ذلك التصريح بعمالها الأجانب والتأكد من حصولهم على كافة الوثائق اللازمة للشغل”، موردا من جانب آخر، أنه يمكن للحكومة أن تسن سياسات أكثر شمولا لتسهيل إدماج المهاجرين في سوق الشغل بشكل قانوني ومنظم.

وتعكس سيطرة المهاجرين الأفارقة على ورش البناء في مناطق المملكة المختلفة الحاجة الماسة إلى إصلاحات في سوق الشغل، خصوصا أن نقص اليد العاملة المغربية يفرض على الشركات اللجوء إلى الحلول البديلة، وهو ما يفسر الاعتماد المتزايد على العمالة المهاجرة، فيما تثير الظروف القانونية غير المستقرة لهؤلاء العمال العديد من التساؤلات حول مدى احترام حقوقهم الاجتماعية، وضرورة تطبيق القوانين بشكل صارم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.