تيزنيت : أصالة التراث وسؤال الرقمنة
بقلم محمد جواد سيفاو
تيزنيت، مدينة مغربية تنبض بالتاريخ والجمال، تمتاز بتراثها العريق وأصالتها الأمازيغية. تقع هذه المدينة الساحرة في قلب منطقة سوس، وتعرف بلقب “مدينة الفضة”، حيث يبدع حرفيوها في صناعة الحلي الأمازيغي التقليدي، الذي يمزج بين الجمالية الدقيقة والرموز العميقة. تجذب تيزنيت الزوار والسياح من شتى أنحاء العالم، لتأخذهم في رحلة عبر الزمن، يتعرفون من خلالها على إرث أمازيغي غني بالتفاصيل والأساطير.
مع كل هذا التألق الثقافي، تدخل تيزنيت الآن في عصر جديد، حيث تفتح الرقمنة آفاقا واسعة للنمو والتطور. التحول الرقمي لا يشكل تحديًا بقدر ما هو فرصة ذهبية للمدينة وسكانها، فرصة لإبراز فنونهم وإبداعاتهم التقليدية على مستوى عالمي. فاليوم، يمكن للحرفيين استخدام الإنترنت لعرض منتجاتهم الفريدة على منصات تجارية عالمية، حيث تصبح تصاميمهم التراثية لمسة أصيلة تضفي سحرًا على الأسواق الإلكترونية الحديثة. ومن هنا، تتبلور رؤية جديدة لتيزنيت، تستند على تسخير الرقمنة لتعزيز التراث بدلًا من استبداله. فالتحول الرقمي يتيح إمكانيات لا حصر لها للترويج للحرف اليدوية التقليدية، مثل الفضة، عبر التصوير الفوتوغرافي الاحترافي وتقنيات التسويق الإلكتروني، مما يساعد في إيصال رسالة الأصالة والجمال لكل ركن من أركان العالم. والأهم من ذلك، أن هذه الرقمنة تمنح الحرفيين منصة لعرض قصصهم ورموزهم العريقة، مما يجعل من منتجاتهم سفيرة للثقافة الأمازيغية في قارات بعيدة.
إلى جانب ذلك، تتجلى فرصة فريدة للشباب في تيزنيت، الذين يحملون في قلوبهم عشقًا لتراث أجدادهم وأياديهم ممتلئة بشغف التكنولوجيا الحديثة. فهناك حماس واضح بين شباب المدينة لاستكشاف الإمكانيات الرقمية، من خلال مبادرات تجارية مبتكرة تجمع بين الإبداع والتكنولوجيا، مثل تصميم مواقع إلكترونية للحرف اليدوية أو تصوير فيديوهات عن الحياة اليومية بلمسة أمازيغية ساحرة. هذا التفاعل بين التراث والتقنية يمنحهم فرصة لتحقيق إنجازات جديدة تعزز مكانة المدينة وتدعم الاقتصاد المحلي.
التحدي الأكبر يكمن في استمرارية هذا الزخم الرقمي، وهو ما يستدعي دعمًا مستدامًا من قبل الدولة والمجتمع المحلي. فالاستثمار في تحسين بنية الإنترنت وتوفير برامج تدريبية في التكنولوجيا للشباب والحرفيين من شأنه أن يخلق حلقة دائرية من النجاح، حيث يتفاعل الجميع بوعي ومسؤولية مع أدوات المستقبل. هنا، تبرز أهمية العمل الجماعي بين الجهات المحلية، سواء كانت مؤسسات تعليمية أو جمعيات ثقافية أو جهات حكومية، لتطوير البنية التحتية الرقمية بشكل يجعل التحول الرقمي في متناول الجميع، ولا تقتصر الرقمنة على الجانب الاقتصادي، بل تعد وسيلة لتعزيز الهوية الثقافية الأمازيغية. فوجود محتوى أمازيغي رقمي يُسهم في إبراز اللغة والتقاليد الأمازيغية، ويخلق جسرًا بين الأجيال. تخيل أن تجد في فضاء الإنترنت مكتبات إلكترونية للأدب الأمازيغي، أو منصات تفاعلية لتعلم اللغة الأمازيغية، أو حتى قنوات تبث حكايات شعبية تتوارثها الأجيال. الرقمنة هنا تصبح وسيلة للحفاظ على الهوية، وليست مجرد أداة عابرة.
تيزنيت اليوم ليست فقط مدينة تحافظ على تراثها، بل أيضا مدينة تتحول إلى مركز ملهم للابتكار يجمع بين الماضي والمستقبل. فبروح أهلها المبدعة وطموح شبابها المتحمس، يتسع أفق تيزنيت لتصبح رمزا للتجديد القائم على الجذور. إننا أمام مدينة تلهم وتستقبل التحديات بيد مفتوحة وأفق متجدد، حيث تشع بريق الفضة الأمازيغية في سماء الرقمنة العالمية.