أثارت تدوينة البرلماني ورئيس جماعة الدشيرة الجهادية رمضان بوعشرة ، نشرها على حسابه في ” الفايسبوك حول كرنفال ” بيلماون”، التي ينتقد فيها تراث “بيلماون” قائلا “بئس التراث الذي تزهق فيه الأرواح و يخلف كل سنة ضحايا الجرح بالسكاكين على وشك الموت، كما لا يراعي حرمة و لا يأبه لحال شيخ و لا عجوز و لا مريض وأضاف بوعشرة ” بئس التراث الذي ينتج كل أخر ليلة صراخ و عويل و سباب و شتائ، بئس التراث الدي يُنعش في داخله كافة أنواع الخبائت ، مهما سعينا إلى التنظيم بمقاربة تشاركية لكن للأسف الشديد تأتي نماذج من البشر تفسد كل شيء. مما أثار معه غضب رواد الفضاء الأزرق.
الفنان الامازيغي “رشيد اسلال” كتب على جداره ردا على بوعشرة ،” إذا كنتم تحاربون بوجلود بذريعة إزهاق الأرواح فالحج كذلك تزهق فيه أرواح كل سنة وكرة القدم تزهق فيها كل أسبوع …و إن كنتم لا تستطيعون تامين حياة المواطنين و توفير الأمن الكافي للحدث فقد فضحتكم تظاهرات سابقة تخدم مصالحكم السياسية وفرتم لها كل الدعم و التنظيم المحكم … مارسوا ألاعيبكم السياسية بعيدا عن ماتبقى لنا من موروث ثقافي في المنطقة .
الفاعل المدني والحقوقي، حسن بلقيس ، أكد للموقع “أتيك ميديا” أن تدوينة بوعشرة العدائية للتراث ، هي تعبير عن الطريقة التي يتم بها تسييس الثقافة ، و النظر للهويات المختلفة في سوس . رغم أن الهوية الامازيغية هي هوية مجتمع الأكثرية ، و الأقلية تريد أن تفرض قوانينها و أعرافها على الجميع ، و هذا ما يميزنا في المغرب ، حين يعتقد أن من يصل للحكم و صنع القرارات أنه بمقدوره فرض مرجعياته على الآخرين ، و نحن نتحدث كثيرا عن هذه الأيام عن “القيم الإخوانية ” البعيدة كلياً عن إسلام أجدادنا و القيم الإسلامية التي تعايشت مع مجموعة من الطقوس و العادات التراثية الامازيغية حوالي أربعة عشرة قرناً .. ما لا يقوى “بوعشرة” عن استيعابه ، هو أن التعددية الثقافية ، تمثل قيمة في التنوع و المشاركة كتجربة حية. و ما يعنيه التنوع ، هو أن العالم مكان معقد ، مليء بالاشتباكات والصراعات .و هذا كله من أجل الخير و النماء ، لأن مثل هذه الصدامات والصراعات هي جزء من المشاركة السياسية والثقافية الايجابية . و مشكلة “بوعشرة “و إخوانه ، أنهم يرون أن انتماءهم معصوم و نقي ، و الممارسات الثقافية الأخرى كما هي الممارسات المرتبطة بطقوس ” بيلماون ” أو ” امعشار و اصوابن ” غير مناسبة و غير أخلاقية ، و هذه هي العنصرية بأم عينيها ، و هذا الخطير في الأمر حين تصير العنصرية رأياً و موقفاً ، و الإقصائيون صناع سياسات ، و هذا ما يهدد السلم الاجتماعي في المجتمع ككل و يصير فيه التعايش بين الثقافات و الحضارات و بناء مستقبل مزدهر مستحيلاً .
الفاعل الإعلامي أستاذ الحسن بومهدي ، أكد أن فرجة “بيلماون” “بوجلود”موروث ثقافي امازيغي عريق عرفه الإنسان بشمال إفريقيا مند القدم ويعتبر هذا الطقس من بين مظاهر الفرح والاحتفال بكل الأشكال الطبيعية والمرطبة بالجوانب الاجتماعية والنفسية والترويح على النفس بشكل يبدو بدائيا ولكن يحمل في طياته الجانب المرح الإنساني الكوني الذي يرجع إلى طرح السؤال على أصل الإنسان وهذا يشكل عقدة لدا بعض التيارات الفكرية والإيديولوجية . وأثناء حضوري في الحفل الخاص “ببيلماون” في بعض المداشر بإقليم تيزنيت يضيف بومهدي ،أجد أن هناك حب الأخر رغم بعض التمظهرات العنيفة لذا الشباب الذي يتقمص بيلماون ودائما في إطار احترام الجو العام والتقاليد والأعراف المحلية الثقافية والاجتماعية .
“بيلماون” طقس أمازيغي قديم في المغرب
الحسين بويعقوبي، أستاذ الأنثربولوجيا بجماعة ابن زهر،أفاد للموقع “أتيك ميديا ” أن “بيلماون ” و “إمعشار ” اللتان ترتكزان على القناع والنكر أثار اهتمام الباحثين المغاربة والأجانب وكانت موضوع دراسات معمقة ، وهي ممارسات قديمة جدا في المجتع المغربي كما توجد مثيلات لها في مختلف المجتمعات الإنسانية.
وأضاف المتحدث ذاته، أنها عادات كانت في الأصل ذو بعد روحي وتعبدي ثم تطورات لتصبح أشكال مسرحية ذات بعد فرجوي يحضر فيه نقد الواقع بشكل كبير وبطريقة فيها الكثير من السخرية .بعض المجتماعات تمكنت من تطوير هذه الأشكال الفرجوية في شكل كرنفالات عالمية تحرك اقتصادات المدن المحتضنة لها كريو بالبرازيل وفونيس الايطالية ونيس بفرنسا ، كما تم الاعتراف ببعضها من طرف منضمة اليونسكو كتراث إنساني عالمي كما هو حال كرنفال “باش” ببلجيكا. وفي سوس يضيف بويعقوبي لازالت هذه المارسة متجذرة وتحتاج لتضافر جهود كل المعنيين من أجل تطوير هذا الموروث الثقافي وتنقيته من بعض الممارسات التي بدأت تشوبه مؤخرا بفعل التحولات الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي .
ذ.الحسين بكار السباعي ممثل المنظمة العالمية للفنون الشعبية “IOV “التابعة لليونسكو بالجنوب والصحراء المغربية،محام وباحث في الاعلام والهجرة وحقوق الإنسان. كتب في تدوينة له على جداره بالفايسبوك ، “بوجلود بيلماون تراث ثقافي شعبي وطني وإنساني . في وطني قواسم مشتركة بين فئات شعبه الواحد ،دي التنوع الثقافي، قواسم متداخلة وعديدة. إلا أن رابطي الثقافة والتراث يعدان الأبرز في التأثير العاطفي والفكري على الوجدان والعقل .وهنا تبرز الثقافة الشعبية التي هي المكونات الاولى للثقافة الوطنية، كقاسم مشترك نرى ان له المكانة الأقوى في التأثير ،لارتباطه بالمكونات التأسيسية لثقافة الفرد من تلامس معطياتها كجذور لذاكرتنا الشعبية الجماعية ومحدد للانتماء للوطن. وشكلت ثقافة بوجلود بيلماون بسوس والجنوب المغربي، وبمداشر وحواضر الريف والأطلس والحوز ،كما بجميع المناطق الأخرى الذي يسمى فيها ببولهيادر او غيرها من الأسماء تراثا شعبيا يلخص جزءا من الموروث الثقافي اللامادي . هذا الموروث الذي يشترك فيه الجميع، والذي يضفي على الطابع الديني لعيد الأضحى طابعا آخر ثقافي شعبي هدفه الفرجة والفرحة واسترجاع ذاكرة الاجداد. التي لم تخلوا من بصمات الاجيال، فظهر الى جانبه مولود جديد قديم لازالت ذاكرتنا جميعا تختزل منه لحظات جميلة وهو ” الكرنفال” ،والذي يجسد مسرحيات متعددة السيناريوهات والأدوار والشخصيات والديكور والملابس والألوان خشبتها الفضاء العام. إن ثقافة بوجلود بيلماون كموروث ثقافي شعبي لا مادي ،وكقاسم مشترك بيننا جميعا يوحدنا ويؤلف بيننا في لحظات محدودة ومناسبة محددة ،تحتوي قيم العفوية وقيم الحب والتسامح والتفاهم وحتى أخلاقيات الاحترام و القبول بالآخر، في مجتمع تغيرت ملامحه و هزت قيمه ،فأصبح لزاما علينا جميعا صون ثقافته والتمسك بقيمه الحقة. وعدم السماح لأي كان العبث به والانتقاص من أهمية موروثة الشعبي. وهنا وجب تنبيه المسؤولين عن الأمن وعلى الساهرين على التسيير المحلي من سلطة منتخبة وأخرى معينة توفير الظروف الملاءيمة لحماية المواطنين، وصون هبة وكرامة من تحملوا عبئ إحياء تراث الأجداد والدود عنه وتوريثه للأبناء والأحفاد . وما يقع من أحداث هنا وهناك، إنما هو استثناء لانفلات ماكان ليقع لو تشبع الجميع بثقافة العمل المشترك والهم المشترك لان توفير الأمن مسؤوليتنا جميعا. فثقافة بوجلود بيلماون كموروث شعبي وثقافي لا مادي ،أضحت تراثا إنسانيا موضوع العديد من الدراسات الأكاديمية وحديث العديد من الملتقيات التفافية الوطنية والدولية .