Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

تأملات ابراهيم عفيف :المرأة والصورة النمطية في ظــــل مجتمع ذكـــوري.

…. وتستمـــر الرحلة التأملية، مع وقفة أخرى ذات طـــابع إنساني مليء بالتناقضات ومنفتح على الكثير من التأويلات والأقـــاويل… موضـــوع يستوجب التعامـــل معه الكثير من الحذر واليقظة، واعتماد لغة نسبية تجاه أحكام القيمة المؤيدة منها والمعـــارضة….موضوعنا التأملي لهذه الليلة الرمضانية سيكون حـــول كائن يستحق منا كل التقديـــر، كائن لولاه ما تواجدنا أنا وأنت….كائن أعطى كـــل وشيء ولم ينل منا ما يستحق ….حديثنا اليوم عن المرأة، التي هي أمــــي وأمك، جدتي وجدتك، أختي وأختكـ، زوجتي وزوجتك، ابنتي وابنتك….جارتي وجارتك…. إنها بكل بساطة صورتنا الأخــــرى في صيغة المؤنث….فكيف يا ترى ننظـــر إلى تلك الصورة بعين ذكورية في ظــــل مجتمع ذكوري ثقافة وممارسة وتفكيرا وسلوكا…

قبل فسح المجال للذهـــن من أجل التأمل، ومن باب التعاقد المنهجي، لابد من استحضار السياق الذي فرض علينا التوقف هذا اليوم مع المرأة ….إنــــه سياق خاص، نعيشه منذ الأمس، تمثل في رحــــيل أحد أعمدة الفن الإنساني الملتزم، أحد كبار الفنانين المثقفين الذي كانوا أوفياء للقضايا الإنسانية بشكل راق، فنان إنسان رحـــل، لكن ولأن اسمه IDIR الذي يشير إلى الحياة، فإنه حي وباق في قلوب كـــل إنسان متشبع بقيم الإنسانية في أبهى صورها. فنان غنى للمرأة من خلال أمه. فهل منا من لا يتذكـــر أغنية SSENDOU الجميلة لحنا وموضوعا، وهل منا من لم يحس بأنه هو الذي يتحدث وهو يستمع للفنان الراحــــل ايدير في وجدة سنة 2016، وهو يتكلم بتلقائية وبلغة فرنسية جميلة عـــن المرأة التي هي أمه، ومن خلالها، عن نساء العالم….المناسبة شرط، وهذه المناسبة الأليمة التي نودع فيها هرما إنسانيا، جعلتني أتوقف للتأمــــل بشأن موضوع المرأة في ظل مجتمعنا المليء بالتناقضات الفكرية والقيمية….قبل ذلك، نسأل الله عزوجــــل أن يرحم الفنان والإنسان الكبير يدير IDIR، ويسكنه فسيح الجنان….ونقدم بذلك كل التعازي لأفراد أسرته وللإنسانية جمعاء التي فقدت أحد أعمدتها في المجال الفني….

الحديث عن المرأة لن يستقيم ولن يصل إلى قلب المتلقي بالشكل الذي نريده، إن لم نذكر بالتعامل الراقي لمجتمعنا القروي القديم مع هذا الكائن الرقيق والجميل….وأنا صغير في قريتي، كبرت مع تلك الصورة الجميلة للمرأة التي يحترمها الصغير قبل الكبير، ويأتمر الكل بأوامرهـــا الحكيمة….فمبجرد مرورها أمام حشد من الرجـــال، وإن علا شأنهم وارتفعت مكانتهم الاجتماعية، إلا وفرضت قانونها المتمثل في قول بعضهم: انصتوا واسكتوا حتى تمر المرأة ” فسات أتزري تمغرت” ، وفي مخيالنا الاجتماعـــي لا يتعامل هكذا معاملة إلا الكبار والعظماء….فعلا، إنها منهم …وأنا صغير أتذكر حينما أصادف امرأة في طريقي، وأقترب إليها لأقبل رأسها ومن خلاله رأس أمي ورأس أختي بطريقة لا تخــــلو من الوقار والاحترام الشديد…ليس من باب الصدفة أن نسمي في مجتمعنا القروي الشخص الذي يمثل السلطة في المجتمع أمغار، فهناك صلة مدلولية بينه وبين تمغارت أي المرأة….وأنا أتحدث عن المرأة أتذكـــر بفخر تكليت ” الملكة” تهيا أو الداهية كما يسميها العرب…فخر كبير بكوننا من أحفاد من أكــــرم المرأة ….وأنا أسترسل في حديثي النوستالجي تذكرت بعض المشاهد التي مازالت عالقة في ذهني منذ الطفولة، ومازلت أشاهدها كلما التقت أمي مع جارتها أو مع عمتي او خــــالتي….تلك التحية التي تحمل أكثر من دلالة…التقبيل المتبادل فوق الرأس بعدد المرات المتكافئ…في إشارة لعدم التكبر ولتحييد الفوارق الطبقية بين هذه وتلك….إنها القيم التي بدأت تختفي، أو لنقل من باب التفاؤل بدأت تتحول ….ويا ليثها بقيت واستمرت…..

هذا عن المرأة وصورتها بالأمس، فكيف هـــي وكيف أصبحت اليوم؟….كلنا نعرف كيف أصبحت اليوم في ظـــل التقدم والحداثة والازهار….في ظـــل تحول لم يواكبه التحول المطلوب على مستوى العقليات…في زمـــن يفترض أن يكون عنوانه الأبرز المناصفة ولا شيء غير المناصفة…تجد الهيمنة الذكورية فكرا وممارسة هي السائدة…فالمرأة في نظر بعضنا اليوم ما هي إلا ذلك الكائن الضعيف جسما وعقلا، وللأسف الشديد تجد معتنقي هذا الفكر يبررون مذهبهم بليهم عنق النصوص الدينية لتنسجم مع طرحهم وفكرهم العقيم…ما أصعب أن تكون امرأة في زمن الاستغلال هذا…استغلال جنسي…حدث ولا حــــرج، استغلال إعلامي حدث ولا حـــرج، استغلال وتعنيف في بعض البيوت حدث ولا حرج….اليوم، ونحن في ظل الزمن الرقمي زمن الصورة بامتياز…أصبحت صورة المرأة توظف لإغراء الزبناء عفوا أو الجبناء…فلن تجد إشهارا إلا ومعه صورة لمرأة بمواصفات خاصة ووفق معايير نمطية معينة تخاطب الجانب الغرائزي لدى الذكر حتى لا أقول الرجل ….طريقة مهينة لعرض المنتوجات باستغلال صورة المرأة، صورة أمي وأمك، صورة أختي وأختك….طريقة لا تعير أي اهتمام للكرامة…آه، حينما نفقد جوهــــرة مثل الفنان المثقف ايديـــر الذي يقدر المرأة ويغني لها، هـــل من الممكن أن تلد لنا أمهات اليوم فنانين يحملون تلك الرســـالة؟…..نعم، من الممكن جدا، لكن ذلك يتوقف علينا وعلى سلوكنا وأفعالنا تجاه المرأة….هذا الكائن الذي يرمـــز للعفة وللجمال وللحنان وللدفء وللكرامـــة يستحق منا أكثر مما أخذ…

أترككم مع أسئلة تأملية ذات صلة بموضوع اليوم….ألا يعتقد من يسمح له ضميره أن يهين امرأة أن هناك في الاتجاه الآخـــر من سيتعامل مع أمه، ومع ابنته ومع زوجته بنفس التصور؟…..بماذا يحس من يسمح لنفسه أن يعتدي على امرأة سواء بالقول أو بالفعل …ففي الوقت الذي تنتظر منه تلك المرأة الحماية يتحول إلى ذئب جائع في حقها؟…..إذا خان من كنا نأمل أن يكون مرادفا للحماية والأمان، فأين سنبحث عنها ؟…..هل يعتقد من يحتقر المرأة أنه فعلا يستحق أن يحمل شرف الانتماء للإنسانية التي كرمها المولى عزوجــــل؟….أختم تأملي بنصيحة خير البشرية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي أوصانا بالنساء خيرا، فقد ورد في وصيته بهن وبالعناية بحقوقهن والإحسان إليهن في حجة الوداع قوله صلى الله عليه وسلم: ” فاتقوا الله في النساء ….”. وهناك أحاديث كثيرة يحث فيها الرسول الأعظم أصحابه على معاملة النساء والمرأة عموما معاملة حسنة….

أختم بالترحم مجددا على روح الراحــــل الفنان الإنسان ايدير، وبـــرفع القبعة لكل نساء العالـــم ….وأنا أخط هذه الكلمات تحت أنغام أغنية الفنان الإنسان ssendou….إلى جنة الخلد يا كبير بحول الله

لا نــــريد مجتمعا يتقدم تكنولوجيا وعلميا ومعرفيا…. ويتقهقر قيميا وسلوكيـــــا….
إلى تأمل آخـــر، أرجــــو لكم ليلة رمضانية كلها أحاسيس إنسانية …. إلى لقاء آخر بحول الله

إبــــــــراهيم عفيف استاذ، مفتش تربوي وفاعل جمعوي.
سوس ماســـــت. 03/05/2020

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.