Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

بيلماون و امعشار… كرنفالات في طريق التطوير

أتيك ميديا:إعداد الحسن بومهدي/عبدالله بن عيسى

       تعتبر عادتي “بيلماون”و”امعشار” المنتشرتين بكثرة في بقاع سوس أنشطة كرنفالية ذات امتدادات افريقية ومتوسطية عريقة. وعلى غرار كل الأنشطة الكرنفالية في العالم يعتبر القناع و التنكر عنصرين أساسيين في هذين النشاطين ذوي الأبعاد الاجتماعية و التاريخية و السيكولوجية العميقة كما تشتركان مع الكرنفالات العالمية مبدأ التهكم في كل شيء والخروج عن المألوف وكسر الطابوهات خاصة المتعلقة بالسياسة و الدين و الجنس.

وتعتبر لحظة الكرنفال فرصة للترويح عن النفس وإفراغ المكبوتات الاجتماعية والاستهزاء بكل شيء بمساعدة القناع الذي يضمن التعبير الحر بعد إخفاء الهوية الشخصية. وفي اتصال مع الحسين بويعقوبي أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة ابن زهر والمهتم بهذه الطقوس أكد لنا صعوبة الحسم في أصل وجذورهاتين الممارستين, بيلماون و امعشار, اللتان و إن كانتا تنظمان في زمنين مختلفين, عيد الأضحى بالنسبة لبيلماون و عاشوراء بالنسبة لامعشار, أي بفارق شهرين وعشرة أيام, إلا أنه من المحتمل جدا أن تكونا تنحدران من نفس الأصل وله علاقة بطقوس دينية تعبدية قديمة. وهذا البعد الديني الما-قبل إسلامي هو الذي بحثت عنه بعض الدراسات المنجزة حول هذه الطقوس خلال فترة الحماية (أوكيست مولييراس ولاووست مثلا) وانتقدها بعض المغاربة مند الاستقلال (عبد الله حمودي,…). وفي المقابل تجمع كل الدراسات على أن هذه الطقوس الاحتفالية كانت منتشرة في كل شمال إفريقيا ثم تقلص مجال ممارستها بسبب عوامل عدة إلى أن حدد أساسا في المغرب وخاصة في الأطلس الكبير و سوس وبعض مناطق الأطلس المتوسط و الجنوب الشرقي.

   وفي إطار الدينامية الجمعوية التي تميز منطقة سوس مند عقود كانت هاتين الممارستين محط اهتمام الفاعل الجمعوي الذي أحس بضرورة تدخله للحفاظ على هذا الموروث والتعريف به وفي نفس الوقت الحيلولة دون تشويهه بسبب بعض الممارسات الخارجة عن القانون والتي من شأنها أن تعطي صورة سلبية عن هذا الموروث الثقافي المشترك بين المجتمعات الإنسانية والذي يميز مجتمعنا المغربي  بعد أن انقرض في العديد من الدول. في هذا الإطار كان لجمعيات مدن تزنيت بالنسبة لامعشار و انزكان و الدشيرة بالنسبة لبيلماون امتياز السبق في الرغبة في تطوير هذا الموروث من خلال تأسيس جمعيات متخصصة في هذا المجال كجمعية اسمون في تزنيت والعديد من الجمعيات التي تحمل اسم “بيلماون” بعمالة انزكان أيت ملول بل وتم تأسيس “الجمعية الاقليمية لكرنفال بيلماون بودماون” التي تعتبر عصارة نقاشات مطولة بين الفاعلين في هذا المجال مند 2012 وبعد المرور من تجارب عدة خاصة “اللجنة الاقليمية لكرنفال بيلماون بودماون” ثم التجربة المؤطرة من طرف “مؤسسة مبادرات تنموية” ووضع “مديرية” لتنظيم كرنفال 2014 وصولا لوضع أسس التنسيق بين مؤسسة مبادرات تنموية” و”الجمعية الإقليمية” لضمان تنظيم أفضل لكرنفال يسعى للعالمية. وبالفعل يجمع المتتبعون على أن كرنفال بيلماون بودماون يتوفر على كل الإمكانات ليصبح من أكبر الكرنفالات العالمية سواء من حيث عدد المشاركين (2000مشارك) أو الجماهير الغفيرة التي تتابعه أو من حيث اللوحات التعبيرية التي ينتجها الشباب والتي تعبر عن حس إبداعي مرهف يحتاج للدعم و التأطير وكذا المتابعة الاعلامية الوطنية و الدولية التي تواكبه.

   أما في تزنيت فرغم حسن نية الفاعلين الجمعويين الحاملين لهم الرقي بكرنفال امعشار فيبدوا أن تجربة السنوات السابقة لم تصل للهذف المنشود ربما لأنها لم تنطلق من تصور واضح ناتج عن نقاشات عميقة بين مختلف الفاعلين. فتغيير مكان الكرنفال و توقيته ينم عن نقص معرفي في طبيعة العلاقة التي تربط  طقس “امعشار” بزمان معين (عاشوراء) وبأمكنة معينة (الأحياء التاريخية لتزنيت). وكل مساس لهذين العنصرين (الزمان و المكان) يفرغ الطقس من محتواه و يبعده عن الارتباط الروحي و الوجداني الذي يربطه بالممارسين و بالساكنة جمعاء. ولذلك يجب التفكير في تأسيس إطار جمعوي يعهد به تنظيم “كرنفال ايمعشار” ويضم أبناء تزنيت الحاملين لهذا الهم مع الاستعانة بكل الطاقات من المدينة أو خارجها لوضع تصور واضح لكيفية تطوير هذا الكرنفال دون إفراغه من محتواه التاريخي و الاجتماعي و الأنثربولوجي, وتبقي ساحة المشوار بتاريخها العريق, وبعد أن تخضع لإخراج خاص بهذه المناسبة, خير مكان يمكن أن تلتقي فيه كرنفالات الأحياء بعد الانتهاء من جولاتها في أزقة المدينة القديمة لكي تقدم مجتمعة فقراتها التنشيطية  وإبداعات الشباب التي تعكس مختلف مجالات الحياة القديمة أو المعاصرة مع التركيز على تجنب ما أمكن استعمال الأقنعة البلاستيكية وتوحيه الشباب لخلق أقنعتهم بأنفسهم. وقد تكون فكرة تنظيم يوم دراسي حول هذا الموضوع بداية تفكير جدي في تطويره.

وقد يكون لتطوير الكرنفالين أثر كبير على التنمية السياحية بجهة سوس ماسة خاصة وأن بنياتها التحتية خاصة وجود مطار دولي وبنيات استقبال مهمة تسمح باستقبال الآلاف من السواح الباحثين عن الكرنفال في العالم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.