في أفق الانتخابات : تغيير الأشخاص أم تغيير العقليات؟
بقلم ذ الحسين بويعقوبي.
باقتراب كل محطة انتخابية تتكرر بعض الممارسات المألوفة ومن أهمها الترحال السياسي، حيث يستقيل البعض من حزب معين لينتقل لحزب آخر، لدرجة أن بعض المتمرسين في هذا المجال يقتربون من استكمال دورة كل الأحزاب، ولا يهمهم في ذلك إن كانت” يمينية” أو” يسارية”، “إسلامية-محافظة” أو “علمانية”، إذ باسم “الحق” و “الحرية الشخصية” تقبل كل الأحزاب استقبال كل المستقلين دون الاقتناع لا بأسباب الاستقالة من الحزب الأول ولا بأسباب الالتحاق بالحزب الثاني، وهو ما يجعل الحزب في نهاية المطاف مجرد أداة انتخابية لا غير يمكن تغييرها في أي وقت كما تغير البذلة، حسب ما يفرضه كل سياق انتخابي.
كما ترتفع أصوات “فئوية” داعية لتخصيص لائحة للشباب وأخرى للنساء وأخرى لدوي الاحتياجات الخاصة وأخرى للكفاءات تسمح لهم بالتواجد في المجالس المنتخبة، ويرافق هذا النقاش من يدعوا لمنع الجمع بين عدة مسؤوليات انتدابية (رئيس بلدية ونائب برلماني مثلا) ومن يدعوا حتى لتحديد عدد الولايات المسموح بها (غالبا اثنتان) ومن يدافع عن تنحي كبار السن و”الأميين”عن تدبير الشأن العام لفسح المجال للشباب المتعلم. لا أناقش هنا مدى أحقية هذه المطالب من عدمها، إذ لكل مطلب ما يعززه وما يدحضه، لكن أود فقط إثارة الانتباه إلى أن عمق الإشكال في الممارسة السياسية في المغرب لا يكمن في أي من الإشكالات المثارة أعلاه (الجنس، العمر، تعدد المهام،…)، لأن واقع تدبير الشأن العام إن وطنيا أو دوليا يثبت الشيء ونقيضه في كل مطلب. فكم من شاب فشل في التسيير أمام نجاح شيخ هرم والعكس صحيح، وكم من امرأة نجحت في التدبير أمام عجز الرجل عن ذلك وكم من مسؤول أو منتخب رآكم عدة مهام ونجح في استثمار ذلك خدمة للصالح العام أمام فشل من يتحمل مسؤولية واحدة، وكم من رئيس جماعة غير بعض ملامح جماعته خلال ولاية واحدة وفشل في ذلك من قضى فيها عدة ولايات، وكم من مسؤول ذو شهادة جامعية يقف عاجزا أمام القدرات التسييرية والتدبيرية لصاحب تجربة يوصف بأنه “أمي”، والعكس صحيح.
فخلال تنسيقي و مرافقتي لوفد جهة سوس ماسة لزيارة باريس وملاقاة منتخبيها سنة 2019 أخبرنا السيد أندري سانتيني ((André Santini، رئيس بلدية ايسي ليمولينو منذ 1980والبالغ من العمر 80 سنة، (أخبرنا) أن كل رئيس بلدية يحتاج لثلاثين سنة لتغيير واقع بلديته، ورغم تقدمه في العمر لازال يحضا بثقة واحترام مواطني جماعته الترابية لولاية أخرى 2020-2026، وفي المقابل يبلغ الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية الحالية 32 سنة. وفي لقاء مع زعيم أحد الأحزاب السياسية أكد على ضرورة أن يجمع المنتخب بين كونه رئيس بلدية ونائب برلماني، لأن ذلك حسب رأيه يساعد في تسريع حل العديد من المشاكل المحلية ،خاصة تلك التي تحتاج لقرار من المركز.
إن المطلوب في سياق الاستعدادات لانتخابات 2021 هو توجيه النقاش لضرورة تغيير العقليات وتجديد منظورنا للعمل السياسي وليس فقط التركيز على تغيير الأشخاص بناء على تصنيف معين. إن تجدر العقلية التي تجعل من العمل السياسي الحزبي ومسؤوليات تدبير الشأن العام طريقا للاغتناء غير القانوني وتحقيق المآرب الشخصية، والأمثلة على ذلك كثيرة، هو الذي يبعد النقاش عن الهدف النبيل للعمل السياسي الحزبي الذي يجب أن يكون أولا وأخيرا خدمة الصالح العام من مدخل الانتخابات الموصل لتدبير الشأن العام المحلي والجهوي والوطني. كما أن قبول الأحزاب السياسية لكي تكون مجرد أداة انتخابية لا تفتح مقراتها إلا في زمن الانتخابات يجعلها تتخلى عن أحد أدوارها الأساسية وهو تأطير المواطنين وإقناع الجميع بأهمية العمل السياسي الحزبي. ففي سياق العزوف عن المشاركة في الانتخابات تحتاج الأحزاب المغربية لتعزيز هياكلها التنظيمية واحترام قوانينها الأساسية وتجديد نخبها وتطوير خطابها والوعي بالتحولات التي يعرفها العالم وتطوير آلياتها التواصلية بما يتوافق وانتظار شباب المغرب اليوم باعتباره شبابا يعيش زمانه، فهو معولم ومرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي وله قضاياه الخاصة البعيدة عن اهتمامات جيل الحركة الوطنية واكراهات الصراعات السياسية في السبعينات من القرن الماضي وبعيد حتى عن أفكار ما بعد سقوط جدار برلين.
حين يتم الاشتغال على تغيير العقليات، وهو عمل يتطلب سنوات، ويقتنع الجميع بأن تدبير الشأن العام يعتبر تكليفا وليس تشريفا ويتم ربط المسؤولية بالمحاسبة وتتدخل العدالة ليأخذ القانون مجراه في كل إخلال بالمسؤولية، ويحس المواطن بأن صوته لا يشترى بل له قيمة وتأثير في عيشه اليومي وحين ترفض الأحزاب ترشيح من له سوابق في سوء التدبير ومن تحوم حوله الشبهات، آنذاك سيقتنع المواطنين بأهمية ومصداقية الانتخابات وليكن حينها الشخص المناسب (رجلا أو امرأة، شابا أو شيخا) في المكان المناسب.