بوشطارت : الحركـــة الأمـــازيـغيةو نــــداء أَكَــــال.
خاضت الحركة الأمازيغية منذ ارهاصاتها الأولى معارك كثيرة من أجل استرداد الحقوق اللغوية والثقافية التي تم هضمها وسحقها بفعل الأيديولوجيات الهدامة التي دخلت إلى المغرب وتمكنت من بسط هيمنتها إبان النضال ضد الاستعمار، الفرنسي والاسباني. فكانت هذه الأيديولوجيات الوافدة “السلفية الوطنية” و”القومية العربية” و”العروبة والإسلام” شعارات النضال السياسي ضد الاستعمار التي قادتها تيارات سياسية داخل المدن والحواضر، أضحت “الوطنية” رهينة ب”العروبة”. جرى ذلك؛ في الوقت الذي كان الأمازيغ محصنون في القلاع على قمم الجبال يتزعمون جبهات القتال ضد الاحتلال الأجنبي، واستمر الأمازيغ من الريف إلى الصحراء ومن المحيط إلى شريط الحدود الشرقية عبر الواحات والتخوم الصحراوية، ولم يتمكن الاستعمار من التحكم واحتلال المناطق الجبلية المقاومة إلا بعد أن نفذت ذخيرة الأمازيغ وانهار عتادهم أمام قوة الآلة العسكرية الرهيبة للاستعمار، سنة 1934، والغريب في الأمر أن خلال هذه السنة، أي 1934، تم تأسيس أول تنظيم سياسي لما يسمى بالحركة الوطنية، وهو “كتلة العمل الوطني” وهو تنظيم لم ينخرط فيه الأمازيغ.
غير أنه، في غضون تلك السنوات التي كانت فيها سلطات الحماية تحكم الحواضر والأحواز والسهول منذ 1912 كانت قد بدأت في سن ترسانة من التشريعات والقوانين الخطيرة في اطار ما يسمى ببناء الدولة الحديثة، جزء من هذه القوانين كان يهم نزع ملكية الأراضي الفردية والعائلية والسلالية وأراضي القبائل والجموع في كل مناطق المغرب، وكانت سلطات الحماية تستهدف أيضا سن تشريعات لضم ما تسميه أملاك الغابات بما تضمه من موارد طبيعية ومائية ومعدنية في كل مناطق الجبال التي كانت تخضع لنظام حكم محلي أمازيغي ولنظام الملكية المشتركة في اطار استغلال الموارد واستدامتها وفقا لقوانين وضعية ونظيمة عرفية صارمة اسمترت لقرون تضمن الحماية والاستدامة وتنمية الموارد الغابوية والمائية، وعلى رأسها قوانين أگدال وقوانين الرعي والسقي ونظام المرور وقوانين الزراعة وغيرها.
فقد قامت سلطات الحماية بسن قوانين مركزية مباشرة بعد عقد اتفاقية فاس سنة 1912 مع المخزن، وأصدرت ظهير 1913 لنزع الملكية، ثم تلته سلسلة من الظهائر تهدف نزع أراضي القبائل والجموع في سنة 1914 و1917 1923 وغيرها…
وبعد الاستقلال انتقلت أغلب الأراضي التي صادرها الاستعمار بدون أي وجه حق من الساكنة مباشرة إلى الأملاك المخزنية أو تم تفويتها للشركات المملوكة للدولة أو للخواص، كما بقيت الأراضي التي تم نهبها بموجب ظهائر الاستعمار لتحديد المِلك الغابوي في ملكية الإدارة الغابوية على عهد دولة الاستقلال، بل أكثر من ذلك؛ استمرت الدولة بتنزيل وتطبيق نفس ظهائر الاستعمار في نزع باقي الأراضي والغابات، إلى يومنا هذا، وإن تم تعديلها عدة مرات، فإنها تحافظ على نفس الأهداف والروح في نزع الأرض.
هكذا؛ تحالفت الحركة الوطنية مع الدولة وسلطات الاستعمار منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لترتيب أمور المغرب بعد رحيل الاستعمار شكلا، في تعاقد سياسي سمي بوثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، وهو التعاقد الذي أفرز خريطة سياسية وحزبية وتفرغت منه النخب التي تولت حكم المغرب بعد اتفاقية “إيكس ليبان”. فتم تغييب الأمازيغ من المفاوضات مع الاستعمار كما تم اقصائهم من التعاقد السياسي واقصائهم بعد الاستقلال من الحكم وتم ابعادهم من السياسية بشكل كلي منذ 1930 وتم تفكيك القوانين والمنظومات الأمازيغية التي تهتم بتدبير الأرض والموارد والثروات الطبيعية والغابوية والبحرية.
فوجد الامازيغ بعد الاستقلال أنفسهم أمام انهيار تام، محاصرة اللغة ومنع استعمالها في الإدارة، ونهب الأرض، وهدم القيم، واحتقار الثقافة وتزوير التاريخ، وتفكيك الحضارة الامازيغية..
وأثناء انبعاث معالم النهضة الامازيغية المعاصرة منذ ارهاصاتها الأولى بعد الاستقلال، ركزت في أول الأمر على اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ولم تكن النخب الأمازيغية القليلة وبعض الجمعيات المحدودة جدا، التي ظهرت على مراحل منذ نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، قادرة على الترافع والنضال على قضية الأرض، فيما تم التركيز أساسا على اللغة التي كانت تعمل الدولة والأحزاب السياسية والطيف المدني والنقابي الموازي لها، على اقبراها ومحاولة تحجيم وجودها وتداولها بدعم التعريب والفرنسة بشكل قوي ومركز ماديا ومؤسساتيا وإداريا وتشريعيا وثقافيا…
اليوم، بعد تحقيق جزء من الأهداف الاستراتيجية للحركة الأمازيغية فيما يتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية، باعتراف الدولة سنة 2011، وببداية تدريس اللغة الامازيغية سنة 2003 بعد تبني حرف تيفيناغ رسميا لكتابة وتدريس الأمازيغية، ثم ترسيم اللغة الامازيغية كلغة رسمية للدولة في دستور 2011، رغم وجود اكراهات التنزيل والتفعيل بسبب الجمود البنيوي للعقل السياسي للدولة والأحزاب بالمغرب في علاقته مع الأمازيغية. غير أن الحركة الأمازيغية اليوم، مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتركيز كل قواها النضالية والترافعية والسياسية حول الدفاع عن قضية الأرض/ أكال، بعد تمادي الدولة في سياسة نزع أراضي الأمازيغ بطرحها لمشروع المحميات الطبيعية المتمثل في مشروع المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي، الذي يعتبر آخر مسمار في نعش أرض الامازيغ، حيث سيتم اقفال مسار طويل من سياسة غصب الأرض وتحديد الملك الغابوي التي فاقت قرنا من الزمن، منذ دخول الاحتلال الفرنسي للبلاد، فإقامة المنتزهات الطبيعية والمحميات وفق قانون 07/ 22، يعني بشكل واضح، نهاية ملكية الأمازيغ لأرضهم باعتبارهم السكان الأصليين، وانتهاك صريح للحق في الملكية وفي حرية التصرف في أملاكهم.
وأمام كل هذا؛ فلا معنى الدفاع والنضال من أجل حقوق “أوَالْ”، وفقدان “أَكَالْ”، أمام الهجوم الشرس والهَوس التشريعي غير المفهوم لاغتصاب ملكية الأرض. فبعد عقود من سياسات الاقصاء والتهميش والتفقير والإهمال في حق الامازيغ نتجت عنها هجرة ونزوح جماعي من البوادي وسفوح الجبال نحو المدن الكبرى وأحوازها السهلية، تم إفراغ الأطلس من السكان الأصليين بسبب السياسات العمومية للدولة وبسبب الجفاف واكراهات المجال والمناخ، وتم تهيئة الأرضية السياسية والاجتماعية عن طريق إفراغ العمل الانتخابي والتمثيلي للسكان من المعنى الحقيقي بوضع مجالس منتخبة شكلية فاقدة للشرعية الديموقراطية، حتى تتمكن الإدارة من تنفيذ مشاريع المحميات والمنتزهات والمشاريع الاقتصادية والتعدينية بدون اشراك السكان الأصليين في صمت مريب.
وعليه، فإن الجمعيات الأمازيغية الثقافية والتنموية والبيئية وجميع التنسيقيات والشبكات والديناميات والمنظمات، مطالبة بمواصلة النضال ضد مراسيم وظهائر الاستعمار وكل مخططات الدولة الرامية إلى نزع الأراضي، واستثمار التراكم النضالي الذي انبثق من رحم الحركة الأمازيغية، بشكل عقلاني وموضوعي في عدة مناطق كالجنوب الشرقي خاصة في إميضر وحِراك الأرض عبر “تنسيقية أكال” في سوس وكل الديناميات الميدانية والمعارك القانونية الأخرى في مختلف المناطق. وتركيز كل الجهود النضالية والسياسية والمدينة والقانونية المشروعة للتصدي لكل مخططات اغتصاب الأراضي في كل مناطق، وفاء واحتراما للحقوق التي يضمنها الدستور والمعاهدات الدولية.
كما أن المنظمات الأمازيغية ذات الخبرة الدولية والأممية في مجال حقوق الانسان داخل أروقة الأمم المتحدة، عليها الاشتغال بتفعيل بنود اتفاقية حماية حقوق الشعوب الأصلية. والانتقال من الترافع عن الحقوق اللغوية والثقافية إلى النضال والترافع داخليا ودوليا من أجل التصدي لقوانين نزع أراضي السكان الأصليين.
الرباط في 6 يوليوز 2024