الوضع في النيجر: تصعيد عسكري، تعنت فرنسي وتحرك أمريكي.
بقلم عبدالله بوشطارت.
يبدو أن الاحداث المتسارعة في النيجر تنذر بتصعيد خطير، لا أحد يدرك امتداداته، ربما سيكون مؤشرا لتسريع التدخل العسكري في هذا البلد الذي يعيش على وقع أزمة سياسية واقتصادية خانقة.
أمهل المجلس العسكري في بيان له، السفير الفرنسي “سليفان إيت” في نيامي، مدة 48 ساعة لمغادرة النيجر، بعدما رفض السفير تلبية دعوة المجلس العسكري “لإجراء مقابلة”، إضافة إلى تصرفات أخرى للحكومة الفرنسية التي تتعارض مع مصالح النيجر. وهو القرار الذي ردت عليه وزارة الخارجية الفرنسية بالرفض، حيث أعلنت، “أن المجلس العسكري في النيجر لا أهلية له لطلب سفير فرنسا بمغادرة البلاد”. هذا الموقف الفرنسي “المتشدد” أجج الوضع حاليا في النيجر، و بقرب نهاية مدة المهلة الممنوحة من طرف العسكر، تجمهر مواطنون أمام السفارة الفرنسية وأمام القاعدة العسكرية في نيامي، منذ فجر اليوم، (الأحد 27 غشت) ومن المنتظر تنظيم تظاهرة شعبية أمام السفارة، لمطالبة السفير الفرنسي بمغادرة النيجر فورا.
هذا التصعيد جاء، بعد جولة أخرى لوفد إيكواس إلى النيجر، للتباحث في مداخل الوساطة السلمية مع الانقلابيين لإعادة “محمد بازوم” إلى الحكم باعتباره رئيسا شرعيا، لكن، من المؤكد أن جولة إيكواس باءت بالفشل كسابقاتها، وفي تصريح لرئيس مفوضية إيكواس في ابوجا، السيد “عمور تواري”، أكد فيه مرة أخرى رفض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا رد فعل قادة المجلس العسكري لتشكيل الحكومة ولن تقبل أيضا مرحلة انتقالية مدتها 3 سنوات، محذرا المجلس العسكري بأن إيكواس ستتخذ الخيارات الضرورية في الأيام المقبلة، وأن خيار استعمال القوة لازال مطروحا…وهذا ما عبر عنه رئيس نيجيريا وهو الرئيس الحالي لإيكواس حين ارسل “وفد العلماء” للتفاوض مع انقلابيي النيجر، حين قال أنه يتلقى ضغوطات كثيرة من طرف مجموعة من الدول تستعجل التدخل العسكري في النيجر، لكن، يؤكد انه لازال يتريث ويمنح المزيد من الوقت للديبلوماسية الناعمة وللمفاوضات والحوار.
وفي المقابل، يرد المجلس العسكري على كل هذه التهديدات باستعمال القوة، بالسماح لقوات كل من مالي وبوركينافاسو، بالدخول إلى اراضي النيجر في حالة ما حصل أي تدخل عسكري اجنبي في النيجر. وهذا معناه أن النيجر يسمح بدخول الدعم العسكري الروسي الذي يتواجد في كل من مالي وبوركينافاسو..
رئيس مفوضية إيكواس : ” على الجيش العودة إلى ثكناته والالتزام بالدور الذي حدده له الدستور”.
المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر: “على شعبنا أن يكون مستعدا، لعدم النوم في الأيام المقبلة”.
المجلس العسكري في النيجر يعلم أن وراء إيكواس توجد فرنسا، ويدرك أيضا أن غالبية الشعب النيجيري غاضب جدا من فرنسا” وسياستها الاستعمارية” وما بعد الاستعمارية، هذا الغضب الشعبي من فرنسا، يستغله المجلس العسكري كوقود سياسي وايديولوجي لاعطاء شرعية شعبية للانقلاب العسكري، لذلك نرى أن خطاب الانقلابيين ومسانديهم في الشارع، يطغى عليه معارضة فرنسا وسياستها، ويحاول الانقلابيون إظهار أنفسهم كمنقذين من الاستعمار الفرنسي وكأبطال وطنيون جدد يعملون على استعادة استقلال ثاني وكامل من فرنسا. لذلك فخروج المجلس العسكري لتأكيد أن سفير فرنسا هو المعني الوحيد بالمغادرة، بعدما انتشرت أخبار وقصاصات صحفية تفيد أن النيجر طلب من سفير ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية المغادرة…
فهل ستلتزم أمريكا التريث والمراقبة من بعيد؟
يظهر أن أمريكا، لن تلتزم الصمت جراء ما يعتمل على أرض النيجر التي تتوفر فيها على قاعدة عسكرية للطائرات الدرون، كما يتواجد عدد كبير من الجنود الأمريكيين فوق تراب النيجر، كما أكدت أمريكا أن هؤلاء الجنود لن يغادروا النيجر بغض النظر عن من سيتولى الحكم، والنيجر تعتبره أمريكا منصة استراتيجية مهمة جدا في الساحل والصحراء، ولا يمكن أن تسمح لروسيا التهامها بعدما التهمت مالي وبوركينافاسو….
لذلك، تحركت أمريكا مباشرة بعد الاعلان عن قتل زعيم شركة فاغنر الروسية “يفغيني بريغوجين” الذي كان يقود مرتزقة مسلحة في عدد من البلدان الإفريقية، منها مالي وبوركينافاسو، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 25 غشت الجاري في بيان لها، عن زيارة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية “مولي في” إلى كل من نيجيريا وتشاد وغانا، وذلك، بغرض مناقشة الدعم الأمريكي لإيكواس، وتطرح مع زعماء الدول التي ستشملها الزيارة، الأهداف المشتركة المتمثلة في الحفاظ على الديموقراطية التي حققها النيجر بصعوبة كبيرة.
وفعلا، من خلال زيارة مساعدة وزير الخارجية “مولي في” لنيجيريا وعقدت مباحثات مع رئيسها وهو في نفس الان رئيس إيكواس، أكدت أن أمريكا تدعم بقوة إيكواس في جهودها نحو إيجاد مداخل سلمية للأزمة في النيجر، كما تدعو أمريكا إلى الإفراج الفوري عن الرئيس المعزول “محمد بازوم”، وأجمع كل من رئيس نيجيريا ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي على أن الدفاع عن الديموقراطية “واجب مقدس”.
خلاصة، القول، يبدو أن الموقف المتشدد لفرنسا تجاه الانقلابيين، يقابله رد فعل أكثر تشددا من المجلس العسكري في النيجر، بل هذا الموقف الفرنسي الرافض للانقلاب، يستغله المجلس العسكري لإعطاء مشروعية شعبية للانقلاب، لذلك، ففرنسا تستعجل التدخل العسكري دون سواه، لإعادة حليفها “محمد بازوم” إلى الحكم. عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي يظهر أن موقفها، وإن تدعو لاستعادة الديموقراطية في النيجر، ليس متشددا تجاه الانقلابيين، تدافع عن الخيارات السلمية، فيما تترك هامشا للتحرك والتفكير في مرحلة ما بعد “محمد بازوم”، مادام أن هدفها الاستراتيجي هو تحييد التدخل الروسي في النيجر ثم ضمان استمرارية حربها ضد الإرهاب…
فهدف أمريكا حاليا، ليس هو اقناع الشعب النيجيري بأن “فرنسا لا تسرق لكم الاورانيوم” وإنما هو اقناعهم بأن “روسيا ستفعل لكم نفس الشيء، وربما ستسرق لكم كل شيء”.
أما ما ستفعل أمريكا تحديدا في الساحل والصحراء… فإنه يطبخ على نار هادئة….
عبدالله بوشطارت.
باحث متخصص في تاريخ الصحراء والساحل