“المجلس الوطني للصحافة: وصاية على الإعلام أم جهاز لحماية الأقلام المأجورة؟”

في زمن أصبحت فيه الصحافة سلطة تمارس دورها في التوجيه والتأثير، برزت ظاهرة خطيرة تهدد جوهر هذه المهنة النبيلة، حيث تحوّلت بعض المنابر إلى أدوات لتصفية الحسابات وخدمة مصالح مشبوهة، تحت حماية مؤسسات يُفترض أن تكون ضامنة لأخلاقيات المهنة. المجلس الوطني للصحافة، الذي أُنشئ لتنظيم القطاع وضمان احترام معاييره، يبدو اليوم عاجزًا – أو متواطئًا – في مواجهة إعلام مأجور يمارس التضليل والإساءة، بينما ينتفض فقط حين يتعلق الأمر بأقلام حرة تكشف الحقائق.
إن متابعة ما يُنشر في بعض الجرائد الإلكترونية وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت امتدادًا لها، يكشف انحرافًا خطيرًا عن الدور الصحفي الحقيقي. صحافة بلا أخلاق، بلا مهنية، تستغل صفتها الإعلامية للهجوم على الأفراد وتصفية الحسابات الشخصية. لم يعد الأمر يتعلق بحرية التعبير، بل بتحويل الإعلام إلى وسيلة للسبّ العلني والافتراء، بينما يقف المجلس الوطني للصحافة متفرجًا، لا يحرك ساكنًا أمام هذه التجاوزات.
ما يزيد الأمر خطورة هو الكيل بمكيالين، فحين يتجرأ صحفي نزيه على كشف قضايا فساد أو مساءلة المتنفذين، يجد نفسه أمام مساءلات قانونية وعقوبات سريعة، بينما تُترك الجرائد التي تمارس التحريض والإساءة لتعبث بالمجال دون حسيب أو رقيب. هذا النهج الانتقائي يجعل من المجلس الوطني للصحافة مؤسسة تفقد مصداقيتها شيئًا فشيئًا، حيث تتعامل بازدواجية مع من يُفترض أن تحاسبهم، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلاليتها وحيادها.
إن ما نشهده اليوم هو انهيار للقيم الصحفية أمام زحف الأقلام المدفوعة التي تعمل لخدمة لوبيات الفساد، تلك التي لا تتوانى في تشويه الفاعلين الحقيقيين في أي قطاع لتحقيق أجنداتها. وأمام هذا الوضع، من حقنا أن نتساءل: هل المجلس الوطني للصحافة يحمي المهنة أم يرعى هذا الانحراف؟ ولماذا يتحرك بقوة ضد بعض الأصوات الحرة بينما يتجاهل تمامًا تجاوزات أخرى لا تخفى على أحد؟
في هذا السياق، نجد أن بعض الصحفيين الذين أثبتوا نزاهتهم تعرضوا لمضايقات قانونية، في حين أن منابر معروفة بالإساءة والتشهير ظلت بعيدة عن أي مساءلة، وكأن هناك حصانة غير معلنة تحميها. هذه الممارسات ليست فقط غير مهنية، بل تضرب جوهر الصحافة كسلطة رابعة يُفترض أن تكون مستقلة عن المصالح الضيقة والتوجيهات الخفية.
ما نطالب به اليوم ليس أكثر من تطبيق القانون بإنصاف، والقطع مع منطق الانتقائية في التعامل مع التجاوزات. الصحافة إما أن تكون مهنة شريفة تخدم الصالح العام أو تتحول إلى أداة في يد الفاسدين، ولا خيار بينهما. إذا كان المجلس الوطني للصحافة عاجزًا عن فرض احترام أخلاقيات المهنة على الجميع، فمن الأولى أن يعيد النظر في دوره ووجوده، لأن المؤسسات التي تفقد نزاهتها تفقد شرعيتها أيضًا.
إن هذا المقال يعبر عن قراءة تحليلية للمشهد الصحفي الوطني، وهو نقد موجه للأداء المؤسساتي دون استهداف أي شخص بعينه، إيمانًا منا بأن النقد البناء حق دستوري مشروع وأحد ركائز الديمقراطية.