الفرص الوطنية مقابل “الحلم الأمريكي” .. برنامج القرعة يقسم شبابا مغاربة
مع حلول شهر أكتوبر من كل سنة، يعد الكثير من الشباب العدة للتسجيل في برنامج “القرعة لتأشيرات التنوع” (DV LOTTERY)، أملا في تحقيق “الحلم الأمريكي” الذي يتصورونه مدخلا لـ”رسم حياة جديدة بالمهجر بعيدا عن تراب البلاد”.
وتستمر عملية التسجيل في هذه القرعة الخاصة بالحصول على التأشيرة الأمريكية، التي تعتبر فرصة سنوية يحرص مغاربة كثر على اقتناصها، والحظ هنا يلعب دورا كبيرا في مصير حياة كثر، في الوقت الذي يوفر هذا البرنامج 55 ألفا من تأشيرات التنوع، يتم اختيار أصحابها بشكل عشوائي آلي.
ورُسمت لدى الملايين من الشباب المغاربة، على مدار سنوات، فكرة وردية عن برنامج تأشيرات التنوع الخاصة بالولايات المتحدة، وذلك بناء على واقع يعكسه أقرانهم الذين سبق أن وصلوا إلى بلاد العم سام واستقروا بها وتمكنوا من توفير مقومات الحياة الهنيئة، وعلى رأسها رؤوس الأموال، إلى درجة أن بعضهم عاد ليستثمر بالبلاد فيما بعد.
ويبدو هذا البرنامج الأمريكي للهجرة يسيرا نوعا ما مقارنة مع برامج أخرى من هذا القبيل، إذ إنه لا يشترط سوى التوفر على شهادة البكالوريا، الأمر الذي يجعل كثيرا من الشباب، حتى من يتوفرون على وظائف قارة بالمغرب، لا يتوانون في تجريب حظهم.
“واشْ تْسْجْلْتِي؟”
موازاة مع استمرار فترة التسجيل إلى غاية بداية شهر نونبر المقبل، ما يزال النقاش حاضرا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مستوى الواقع كذلك، إذ إنّ سؤال “واشْ تْسْجْلْتِي” يفرض نفسه في هذا الإطار كمظهر من مظاهر التأكيد على عدم تفويت فرصة كهذه يراها كثيرون بمثابة “فرصة السنة”.
وليس المغاربة بهذا الخصوص على قلب رجل واحد؛ فمنهم من يواصل إيمانه بجدية برنامج الهجرة الأمريكي، في حين إن آخرين يتمسكون بأمل يرونه قائما بتراب الأهل والأجداد بعيدا عن “بْلَاداتْ النّاسْ”.
نزلنا إلى شوارع مدينة الرباط لمعرفة حجم تداول هذا الموضوع بين الشباب، فاتضح بالفعل أنه موضوع راهني، ككل سنة، يفرض نفسه ويدفع مهنيين أيضا إلى التعايش معه؛ فأصحاب مختبرات الصور حاليا يتعاملون مع الطلبات الخاصة بالقُرعة أكثر من الطلبات الأخرى، في حين إن أصحاب المكتبات بدورهم انخرطوا في هذه الدينامية معلنين عروضا تخصُّ التكفّل بعملية تسجيل الأفراد من غير الملمّين بعوالم الإنترنت ويخشون ارتكاب خطأ قد يكون قاتلا.
ومما يظهر على أرض الواقع هو أن موضوع الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر برنامج القرعة العشوائية لا يحظى بمقدار الاهتمام نفسه لدى الجميع، إلى درجة أن هناك من لا يهتمون بتاتا بالأمر، لكنهم لا يصادرون حق الآخر في تجريب حظه.
“باقي مَايدارْ فلبلادْ”
التقينا بعبد النور، وهو طالب باحث بسلك الدكتوراه في تخصص علوم التربية بجامعة محمد الخامس، الذي أكد بداية “عدم اهتمامه كشاب في مقتبل العمر بموضوع استمرار التسجيل في برنامج الهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة الأمريكية”، غير أنه ساند بقوة حرية الآخرين المهتمين بهذا الموضوع كل سنة.
عبد النور قال لهسبريس إن “بعض الأفراد يرون في هذا البرنامج فرصة لتحسين وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، بعدما لم يتمكنوا من ذلك في البلاد، لأسباب يمكن أن ترتبط بعدم توفير الدولة الظروف بالنسبة إليهم”، مشيرا إلى أنه “بَاقِي كايْنْ مَيْدّارْ فْلْبْلَادْ”.
وزاد: “أما بالنسبة لي فالهجرة ليست هدفا في حد ذاته، حيث يجب التسلح بفكرة عدم اليأس والتراخي”، معيدا التأكيد أن “الإنسان إذا بذل جهده في بلده الأم، على الرغم من عدم تكافؤ الفرص، يبقى أفضل من جعل المستقبل رهينا بفرص سنوية قد تبتسم أو لا تبتسم له “.
وإذا كان هذا الطالب الباحث أكد عدم اهتمامه بالموضوع، فإن كريم، شاب يعمل بالقطاع الخاص بالعاصمة الرباط، أبدى رأيا إيجابيا في هذا الإطار، إذ كشف أنه مهتم، غير أنه لم يقم بالتسجيل بعد لظروف خاصّة، موردا أن “كثيرا من النماذج من شباب المغرب تمكنوا من بناء مستقبل جديد بفضل هذه الفرصة السنوية”.
فرصة جديرة بالاقتناص
وذكر كريم “نقطة تبدو غير منطقية في هذا الصدد”، تتعلق بـ”أولئك اليافعين الشباب الذين لا يتوفرون على شهادة البكالوريا لكنهم يقومون بملء الاستمارة عن قصد؛ فبتصرفهم هذا يضيعون الفرصة على آخرين يتوفرون على الشروط كاملة، إذ لا يمكنهم استكمال الإجراءات حتى وإن ظهرت أسماؤهم في نتائج القرعة”.
كما علقّ الشاب ذاته بنوع من الحدة على الذين يتم اختيارهم وهم لا يتوفرون على خبرة مهنية بالقول: “هؤلاء من المنتظر أن يجدوا صعوبات كثيرة عند وصولهم إلى هناك، خصوصا في البداية، غير أن ذلك لا يمنع من التشبث بالولايات المتحدة الأمريكية كبلد منتج للفرص التي لا يمكن أن نجدها مثلا هنا”.
من جهته، اعتبر جمال الداودي، وهو الآخر من الذين اقتربوا من تجاوز مرحلة الشباب، أن “فكرة المشاركة في مثل هذه البرامج كانت حاضرة لدينا فيما سبق، أما اليوم فقد تلاشت”.
وقال: “لديّ أصدقاء كانوا محظوظين في هذا الصدد، مما جعلني بين الفينة والأخرى أندم على عدم الأخذ بالأسباب”، قبل أن يشير إلى أن “من لديهم الرغبة ولديهم من المقومات اللغوية والمهنية ما يكفي، من الممتاز أن يكونوا مهتمين ببرنامج الهجرة الأمريكي”.