الفراغات النفسية والمشاكل الأسرية تعيد متقاعدين إلى سوق الشغل
إذا كانت فترة التقاعد بالنسبة لبعض المغاربة تمثل مرحلة للراحة والاستمتاع بالأجواء العائلية والتخلص من تعب السنين فإنها تحولت بالنسبة للبعض الآخر، خاصةً المنحدرين من الطبقات المتوسطة والدنيا، إلى فرصة للانخراط في عمل جديد لمواجهة متطلبات الحياة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف معاشات التقاعد.
إلى جانب هذه التحديات الاقتصادية، التي تفسر بشكل كبير لجوء فئة من المتقاعدين إلى مزاولة أنشطة جديدة بعد سنوات طويلة من الجد والعمل، يُؤكد المهتمون أن “اكتئاب التقاعد” والفراغ النفسي والخوف من الموت البطيء، بالإضافة إلى الهروب من المشاكل الأسرية التي يعاني منها معظم المتقاعدين في المنازل، تُفسر أيضاً لجوءهم إلى ممارسة أنشطة بديلة.
في هذا السياق قال ياسين اعليا، خبير اقتصادي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “إن ضعف منحة التقاعد في المغرب وتسقيف المعاشات بالنسبة للمنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتدهور القدرة الشرائية للأسر المغربية أمام موجة غلاء الأسعار، كلها عوامل تفسر لجوء عدد من المتقاعدين المغاربة إلى البحث عن عمل آخر لتحسين أوضاعهم المعيشية”.
وأوضح الخبير الاقتصادي ذاته أن “الالتزامات العائلية لفئة المتقاعدين، وتراجع مستواهم المعيشي وقدرتهم على الإنفاق بعد فترة التقاعد، إضافة إلى الحاجيات الخاصة لهذه الفئة في المجتمع، خاصة ما يتعلق بالتطبيب، وعدم توفر البعض منهم على التقاعد التكميلي، عوامل تدفعهم إلى مزاولة أنشطة ومهن أخرى بعد هذه المرحلة من الحياة لكسب مداخيل إضافية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “تحسن الظروف الصحية للمواطنين المغاربة وارتفاع أمد الحياة في البلاد يساهمان أيضًا في دفع الكثير من المتقاعدين في العديد من القطاعات إلى استغلال قدراتهم البدنية في بعض الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل”، مؤكدًا أن “هذا المعطى هو ما سيدفع الحكومة مستقبلًا إلى إصلاح صناديق التقاعد، بما يشمل رفع سن التقاعد في القطاعين العام والخاص”.
وإلى جانب هذه العوامل الاقتصادية، يؤكد محسن بنزاكور، الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، وجود عوامل أخرى ذات طابع نفسي تتجلى في “وجود أشخاص لا يستطيعون تقبل فترة التقاعد أو أنهم لم يعودوا فاعلين في المجتمع، ما يجعلهم غير قادرين على تقبل الجلوس في المنزل دون ممارسة أي نشاط، ما يسبب لهم شعورًا بالكآبة والفراغ النفسي، ويدفعهم إلى العودة إلى سوق العمل”.
وأضاف بنزاكور في هذا الصدد أن “النظرة السائدة لفترة التقاعد بوصفها مرحلة انتهاء النشاط والدخول في مرحلة العجز تدفع أيضًا في هذا الاتجاه”، مشيرًا إلى أن “هناك عاملاً اجتماعيًا آخر يرتبط بفشل بعض الأزواج في تقبل وجود الطرف الآخر في المنزل طوال الوقت، وبداية ظهور بعض المشاكل التي يختصرها المفهوم العامي بـ’النكير’، الناتج عن عدم الرضا بواقع الحياة المنزلية والرغبة في تصحيح وضع ما، ما يدفع بعض الأزواج إلى البحث عن عمل جديد لتجنب الأزمات في سنواتهم الأخيرة”.
وأشار المتحدث ذاته، في تصريحه لهسبريس، إلى أن “المجتمعات الغربية تستفيد من خبرات المتقاعدين وتجاربهم بعد تقاعدهم، وتضع برامج تضمن استفادة الأجيال القادمة من هذه التجارب والخبرات، وهو أمر غائب في المغرب، ويدفع عددًا من المتقاعدين الجدد إلى مزاولة أنشطة غالبًا ما تكون قريبة من المجالات التي سبق أن عملوا بها وراكموا فيها خبرات كبيرة”.