الصحة النفسية ومعياري السواء و اللاسواء
رشيد بوتكرى
أطلق أدولف ماير Adolf Mayer و كليفورد بيرز Clifford Beers إسم الصحة النفسية Mental Hygiene على المجهودات الثابتة المخططة التي تبذل للمحافظة على الصحة النفسية و الوقاية من المرض العقلي، باعتبارها جهودا تؤدي إلى نتائج تؤثر على الحياة الشخصية و الإجتماعية و الإقتصادية لبني البشر. وتدعيما لذلك انشئت في عام 1909 بأمريكا اللجنة القومية للصحة النفسية، كما أقيمت كذلك معاهد منفصلة خاصة بالصحة النفسية. وأخيرا عرفت الجمعية الأمريكية للطب النفسي هذا المفهوم (الصحة النفسية) بأنه يشمل: الإجراءات التي تتخذ لخفض انتشار الأمراض العقلية بالوقاية والعلاج المبكر. الصحة النفسية ليست مجرد غياب الاضطرابات النفسية، بل هي حالة من العافية يستطيع فيها كل فرد إدراك إمكاناته الخاصة والتكيف مع حالات التوتر العادية والعمل بشكل منتج ومفيد والإسهام في مجتمعه المحلي. [منظمة الصحة العالمية]
وقد اختلفت الآراء و وجهات النظر فيما يتعلق بتحديد “السواء” و “اللاسواء” ، فما ينظر إليه على أنه “سوي” في مجتمع قد ينظر إليه على أنه “لا سوي” في مجتمع آخر. بل إنه داخل الثقافة الواحدة تتعدد الثقافات الفرعية Subcultures كما هو الحال في مجتمعنا المغربي. ويطلق في نهاية الأمر على هذه الآراء ووجهات النظر المتعلقة بالسواء و اللاسواء إسم (معايير السواء و اللاسواء) و أهم هذه المعايير :
1.المعيار الإحصائي
فكرة المعيار الإحصائي مستمدة من خصائص المنحنى الإعتدالي النموذجي والذي يقوم على أساس توزيع درجات عينة ممثلة للمجتمع على اختبار من اختبارات الذكاء أو القدرات أو بعض الخصائص الأخرى، والتوزيع الإعتدالي النموذجي من أهم خواصه الإحصائية أنه متماثل أي أن نصفه الأيمن ينطبق على نصفه الأيسر و أن متوسطه يساوي صفرا.
2.المعيار الثقافي
تقوم في كل ثقافة من الثقافات مجموعة من التقاليد والعادات والقيم والمعايير السائدة التي يتم من خلالها تقييم سلوك الأفراد، أي أن هذه المجموعة من القيم والعادات تعتبر “قياساً” أقامته الجماعة يقاس عليه سلوك كل فرد ليحاسب إذا خرج عليها ويكافأ إذا دخل سلوكه في نطاق ما هو مرغوب من تصرفات أقرتها الثقافة التي يعيش فيها.
3.المعيار المرضي أو الباثولوجي
يعتبر الشخص شاذا في ضوء هذا المعيار إذا وجدت لديه أعراض وشكاوي مرضية كالقلق والإكتئاب والتوتر والصراعات النفسية المختلفة ويعتبر الشخص سويا إذا خلا من هذه الأعراض إذ أن الشخص السوي هو شخص بلا أعراض، إلا أن الخلو من الأعراض لانجده لدى أحد فمن الصعوبة بما كان أن نجد شخصا خاليا من الأعراض المرضية، ومع هذا فإنه عندما يغلب وجود تلك الأعراض المرضية في شخص ما فإنه يعتبر غير سوي.
ويوجد نقد لهذا المعيار في اختلاف الدرجة التي ينبغي أن تكون عليها تلك الأعراض و الإضطربات المرضية حتى يمكن أن يحكم عليها بأنها مرضية وحتى لا يختلط السواء باللاسواء.
4.المعيار النموذجي أو المثالي
هو المعيار الذي يأخذ كل فرد على عاتقه الإحتذاء به ومحاولته باستمرار الإقتراب منه يجعل سلوكا يتطابق معه. وبناء على هذا المعيار فإننا نطلق على الشخص بأنه سوي كلما اتفق سلوكه مع المثل الأعلى ونطلق على الشخص بأنه شاذ كلما كان سلوكه غير متفق وبعيد عن المثل الأعلى.
5.المعيار الطبيعي
يمكن أن نطلق عليه إسم “معيار السلوك الجنسي” لتطابقه واتفاقه مع مضمون هذا المعيار. ومن خلال هذا المعيار يعتبر الشخص سويا لقيامه بالدور المناسب لجنسه مثل أن يكون الولد الذكر مبادرا والبنت الأنثى خاضعة والقيام بالدور الجنسي الغيري heterosexuality أسلوب سوي بالنسبة للحياة الجنسية لدى بني البشر، كما تعتبر في نفس الوقت الجنسية المثلية Homosexuality أي ممارسة الجنس مع فرد من نفس النوع أمرا شاذا.
6.المعيار الذاتي
ويعتمد هذا المعيار على أن الفرد يجعل من ذاته إطارا مرجعيا Frame of reference يتخذه كأساس للحكم على السلوك بأنه سوي أو غير سوي والإطار المرجعي، كما أظهرت التجارب الأولى في تاريخ علم النفس مع أش Solomon Asch وغيره من علماء النفس على أنه ما هو إلا اجتماع آراء الجماعة ذاتها أي أنه يتضمن الإطار الإجتماعي الممثل لعمليات التنشأة الإجتماعية. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أن اعتماد الفرد على ذاته وعلى الإطار المرجعي في الحكم على السلوك يخضع للأحكام السابقة لدى الفرد ولدفاعات الأنا.
7.المعيار التواؤمي
يرى كولمان Colman 1973 صاحب هذا المعيار أن السواء واللاسواء لا يتحدد من خلال تقبل المجتمع لكن من خلال مقدار ما يوفره هذا السلوك من نمو وتحقيق لإمكانات الفرد والجماعة. فمسايرة الفرد للجماعة إن أدت إلى نمو الفرد والجماعة اعتبر السلوك عاديا. أما إذا لم تؤد لذلك اعتبر السلوك مرضيا.