يتساقط الشعب السوري تساقط أوراق الخريف، على يد ما يسمى بالقوى العظمى، كما تساقط قبله الشعب العراقي… واللآئحة تبدو مفتوحة وطويلة. والاعتداء اقترف خارج غطاء كل القواعد الأخلاقية والالتزامات الدولية والقيم التي نسجها المنتظم الدولي، بعد أن أخذ العبرة من ويلات الحروب والتدمير التي أتت على الأخضر واليابس في الجزء الأول من القرن العشرين. من حق كل إنسان أن يتساءل : أين الأمم المتحدة؟ ما معنى وجود المواثيق الدولية واحترام سيادة الدول والشعوب؟ هل أخطاء الأنظمة الديكتاتورية وتصرفات حكام غير شرعيين يبرر تدمير الشعوب وقتل الحضارات واقتلاع جذور الإنسانية ؟ هل لم تتعظ القوى العظمى مما جرى في العراق من مسلسل الذبح والتقتيل وانهيار الدولة وكل مؤسساتها ودعم النزعات الطائفية والعرقية وتأجيجها لسحق ما تبقى من الشعوب المدنية، وتجويعها وتهجيرها وتشتيتها؟ هل من موعظة مما جرى في ليبيا من انهيار لكيان الدولة؟ هل ما حصل في فلسطين بعد نكبة 48 دون رقيب أو حسيب، ودون أن يستيقظ الضمير العالمي الغائب من سباته الطويل، ويستفيق لإنصاف الفلسطينيين وإصلاح خطإ ارتكبته الهمجية المتعجرفة، بقوة أسلحتها، وهيمنة أدرعها القتالية، لا لشئ إلا لترسخ فكرة سيطرتها وتبرهن عن قوة تحكمها في مصير الشعوب ظلما وعدوانا. فهل ما وصلت إليه إسرائيل من تعنت وعجرفة وتكبر وتحدي، ومن استفزاز يومي، دون رقيب أو حسيب، هو الصورة المثلى للنموذج الاستعماري الجديد؟ وهو ما تؤكده فعلا تصرفات الرئيس الأمريكي الحالي. وويل لكل من غرد خارج سرب إرادة القوى “العظمى” . وهل تطور العلوم وانتشارها وتمدد تقنيات التواصل والاتصال أضحى حكرا على القوة المهيمنة، وأن كل محاولة للتميز ينظر إليها كأنها استفزاز لذكاء “القوى العظمى” ومحاولة يائسة للسمو والارتفاع في درجات التنمية والرخاء. هل في سعي الشعوب نحو مزيد من الانعتاق والتحرر استفزاز لهذه القوى المهيمنة التي تسعى إلى احتكار كل شئ، بما في ذلك إخضاع العقول والوجدان ووتيرة التطور والنماء لرغبتها ومشيئتها؟ هل لا ترى هذه القوى في سعي الشعوب نحو تحقيق السلم إلا ما قد يؤدي إلى إغلاق مصانع أسلحتها ؟ من حقنا أن نطرح أسئلة كثيرة تؤرقنا، ونحن لا يفصل بيننا وبين الحروب العالمية التقليدية وصدى ويلاتها إلا عقود قليلة، من حقنا أن نطرح أسئلة عديدة عن جدوى وماهية وضع مواثيق دولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإقامة مؤسسات متنوعة ومتعددة حول تحقيق شعار السلم والعدالة. ونحن نستيقظ اليوم لأداء صلاة الفجر، للمناجاة والدعاء لتحقق السلام، لنسمع زئير الآلات المدمرة الفتاكة، ونحصي مدى وحجم ونتائج الاعتداء على الشعب السوري من طرف حلف ثلاثي أمريكي بريطاني فرنسي، الذي لا نشك في أنه لن يدمر فقط مواقع النظام السوري، ومواقع قيادته وقواعده الجوية وتجمعاته العسكرية ومختبراته ومستودعات أسلحته، بل سيؤدي لا محالة إلى قتل وإبادة وجرح مزيد من الأبرياء من المدنيين العزل، لينضافوا إلى لائحة القتلى والجرحى الذين استهدفهم النظام نفسه وجماعة الحركات الأصولية المتطرفة، من داعش وقاعدة وغيرها. أقول اعتداء، لأن لا شرعية دولية له، ولم يثبت بعد من خلال تحقيق دولي محايد استعمال الأسلحة الكيميائية من طرف النظام السوري. وحتى الدول المعتدية لم تعلن إلى حد الآن عن مصدر يقينها بأن النظام السوري استعمل الأسلحة الكيميائية في الغوطة. أقول اعتداء، لأن هناك دعوات من كل الجهات، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لضبط النفس والتحلي باليقظة والصبر وعدم التعنت وتفادي التسرع، لكي لا تتكرر الأخطاء التي ارتكبت على يد “بوش الإبن” ومن معه سنة 2003 في حق دولة وشعب العراق. ولا نملك اليوم إلا الاستسلام للصبر واليقظة والاحتجاج الحضاري ضد العدوان اللآحضاري في حق شعوب المنطقة المستضعفة. وحسبنا أن نتسلح بالصبر بجانب الشعب السوري العظيم، الذي لا نشك على قدرته على استعادة الحياة.