الثابت والمتغير في تجربة حزب العدالة والتنمية.
بقلم ذ. بركي ميلود باحث في العلوم السياسية.
المتتبع والمهتم بالشأن السياسي المغربي يلاحظ أن الاحزاب السياسية المغربية لم تنتج نخب سياسية جادة ومسؤولة وقادرة على قيادة المرحلة، ولعل السبب في ذلك راجع الى عدة أسباب من بينها قدرة النظام السياسي المغربي على اضعاف الاحزاب السياسية حتى لا تنافسه في مشروعيته التاريخية، وبالتالي يبقى هو الحاضر بقوة في كافة تفاصيل الحياة السياسية ويبقى للأحزاب السياسية دور تأتيت المشهد السياسي واستقطاب الشباب وتأطيرهم سياسيا وفكريا في أفق تكوين نخب سياسية مواطنة و قادرة على قيادة البلاد في المستقبل القريب، لكن عين النظام السياسي لا ولم تنام في هندسة الخريطة الحزبية المغربية بالشكل الذي يريده حتى يخدم اجندته الداخلية والخارجية، فالشرعية الدينية والتاريخية والقانونية للنظام السياسي المغربي تعطيه مصداقية للعمل وفق المصالح العليا للوطن ولعل تجربة حزب العدالة والتنمية خير نموذج لقراءته قراءة متأنية لاستخلاص بعض الدروس التي يمكن ان تكون مفيدة للمهتم بالشأن السياسي المغربي.
كما يعلم الجميع أنه لولا حراك 2011 لما استطاع حزب العدالة والتنمية أن يفوز بالانتخابات التشريعية، وبالتالي قيادة مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث مرحلة استطاع الحزب أن يدبرها بكثير من الجرأة في ظل احتقان شعبي وموجات من الاحتجاجات التي كادت أن تعصف بالبلاد والعباد لكن حكمة وتبصر الملك محمد السادس الذي تفاعل بشكل ايجابي مع الحراك وذلك بتكليفه للجنة برئاسة الفقيه الدستوري عبد اللطيف المانوني لوضع دستور جديد للبلاد يستجيب لطموحات الشعب المغربي في المزيد من الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وبالتالي استطاع هذا التجاوب الفعال من ملك البلاد أن يجنب المغرب احتقانا خطيرا وأن يمتص موجات الغضب الشديدة.
لكن التجربة الثانية لحزب العدالة والتنمية بقيادة الأستاذ سعد الدين العثماني كانت تجربة غير ناجحة في تدبير الكثير من الملفات فعدد من القرارات كانت لا شعبية وتمس المعيش اليومي للمواطنين ولهذا نجد تدمرا كبيرا لدى غالبية فئات الشعب بسبب قرارات لم تراعي الجانب الاجتماعي للفئات الفقيرة من المجتمع المغربي وهنا نطرح السؤال هل حزب العدالة والتنمية سيأفل بريقه خصوصا وأن الانتخابات على الأبواب أم أن الحزب سيبقى حاضرا بقوة خصوصا أنه يعول على قاعدته الجماهيرية التي سوف توصله الى المراتب الأولى مع العلم أن الحزب أصبح غير منسجم مع نفسه فبعد أن رفع شعار محاربة الفساد والاستبداد أصبح مطبع مع ذلك وبالتالي خالف موعده مع التاريخ ومع الزمن السياسي الممنوح له، وكان من الممكن أن يقود المرحلة بكثير من التبصر لو كانت له قليل من الجرأة السياسية وكان من الممكن أن يخلق الحدث لو استطاع فعلا أن يحارب الفساد والاستبداد بالصرامة اللازمة بعيدا عن المزايدات الانتخابوية الضيقة. لكن يحق لنا أن نتساءل هل فعلا حزب العدالة والتنمية الذي يقود المرحلة له مساحة كافية من الحرية لممارسة اختصاصاته الدستورية والسياسية أم أن الأمر برمته خارج عن السيطرة؟
أعتقد أن المتتبع للشأن السياسي والحزبي المغربي يعرف جيدا أن هناك فاعلا واحدا في المغرب هو الملك، كما قال الباحث ريمي لوفو ويبقى للحكومة التدبير اليومي للشأن العام، أما الملفات الكبرى والاستراتيجية فهي من اختصاص الملك ومحيطه ولا داعي أن نحمل الاحزاب ما لا تحتمل مادامت تخضع لمنطق الاملاءات والولاءات ولعبة القبض والسيطرة التي يمارسها النظام بكثير من الاتقان.