اكادير:كلمة والي جهة سوس ماسةبمناسبة الذكرى 16 لاطلاق (INDH).
بعد ترحيبه بجميع المؤسسات العمومية والجمعوية والاعلامية افتتح والي جهة سوس ماسة احمد حجي كلمته بمايلي :
يُسْعِدُني أنْ أرَحِّب بكُم في هذه التظاهُرة الفائقة الأهمية، والتي تُنَظَّم بمناسبة حُلول الذكرى السادسة عشرة لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف جلالة الملك محمد السادس، أعز اللهُ أمْرَه، والذي تم في مثل هذا اليوم، 18 ماي، من سنة 2005، حيث أعلنَ عنها حفظهُ الله، بقوْله في خطابِه التاريخي الذي وجَّهَهُ جلالتُه يَوْمَها إلى شعبِهِ الوفي:
“إنَّ المبادرة التي نُعْطِي انطلاقتَها اليوم تُعْتَبَرُ لَبِنَةً جديدة لاسْتِكْمال بِناء هذا الصَّرْح، وتَوْطيد أركانِه. وهي تعتمدُ أرْبَع ركائز مرجعية أساسية. فهي في المقام الأول تَسْتَنِدُ على الْمُعطيات الموضوعية للإشكالية الاجتماعية في المغرب، تِلْكُم المعطيات التي تتجلَّى في كَوْنِ فِئاتٍ ومناطق عريضَة تعيشُ ظروفًا صعبة، بل وتُعاني من حالات فقرٍ وتهميش، تَتَنافَى مع ما نُريده من كرامة مَوْفُورَة لِمُواطنينا. […] فإن المبادرة التي نُطلقها اليوم، ينبغي أن ترتكز على المواطنة الفاعِلة والصادِقة، وأن تعتمد سياسةً خلَّاَقة، تجْمع بين الطموح والواقعية والفعالية(…)
إنَّ المبادرَة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليًا، ولا برنامجًا ظرفيًا عابرًا ، وإنما هيَ ورشٌ مفتوحٌ بِاستمرار.”
انتهى كلام جلالة الملك.
وقد شكلت المبادرة بِذلك ورشًا ملكيًا نبيلًا للتنمية البشرية الْمُجَسِّدَة لفلسفةٍ وطنية رائِدَة ترمي إلى مُعالجة إشكاليات الفقر والإقْصاء والهشاشَة من جُذُورِها، في إطار استراتيجية شُمولية ترتكزُ على الْبُعْدِ التُّرابي بإبْداع الحلول والتَّشاوُر والمقاربة التشارُكية مع مُختلف الفاعلين المعنيين، بما فيهم هَيْئات المجتمع المدني.
وهي مُقاربة خلَّاَقة تجعل من العنصر البشري أوْلَوِيَّتَها الأولى ومِحْوَرَها الرئيسي، من خِلال الالتزام بالحكامة الجيدة، ونَهْج سياسة القُرب التي تُضْفي بُعدًا جديدا على الديمقراطية التشاركية في رَصْدِ الاختلالات، ووضْع الأهداف والأوْلَوِيَّات، وبَلْوَرة البرامج والمشاريع وتنفيذها وتتبُّعِها بالنجاعة والفعالية اللازمِتَيْن، والأخذ بعيْن الاعتبار في مجال البرمجَة والتخطيط للحاجيات الواقعية والتطلُّعات المشروعة للساكنة الْمُسْتَهْدَفَة ، في تجاوُزٍ تام للأنْماط البيروقراطية التي أبانَت عن قُصُورِها ومحدوديَّتِها.
وذلك في سياق الإصْلاحات الكبرى التي تشهدُها بلادُنا، منذ اعْتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، والرامِيَّة إلى جعل المواطن المغربي في صُلب عملية التنمية والغاية الأساسية للسياسات العمومية.
ويتجلى نُبلُ المبادرة في غاياتها الْفُضْلى الهادِفة إلى صَوْن كرامة المواطن، وتحسين إطار عيشه والنهوض بالعنصر البشري، وتوْفير الشُّروط لِلاعتماد على الذات، وتعزيز الثقة في النفس وفي المستقبل لدى الفئات الاجتماعية في وضعية صعبة، وتشجيعِها على الانْخراط في مَشاريع مُدِرَّة لِلدَّخْل لِتُشَكِّلَ رافِعة للتنمية المحلية.
ولَمْ تَأْتِ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لِتَحُلَّ مَحَلَّ البرامج القطاعية أو برامج العمل الترابية، وهي ليست مشروعًا خيريًا إحسانِيًا، وإنما هي رُؤية سوسيو اقتصادية مُبتكَرَة لتعزيز تنمية المجالات بِكَيْفِيَّة مُنصفة، تنسجِم مع الأهداف الْكَوْنِيَّة الْمُتعارف عليها عالميًا للتنمية البشرية المستدامة والرَّفاه الاجتماعي العادِل والشامِل، للارتقاء بِمُؤشرات التنمية البشرية لِبلادِنا إلى مصاف ما تُحَقِّقُه الدُّوَّل المتقدمة.
وذلك من خلال تحسين وضعية الْوُلوج إلى الخدمات والتَّجْهيزات الأساسية، ودَعْم الأنشطة المدرة للدخل، وتعزيز التنشيط الثقافي والرياضي، ودعم الأشخاص في وضعية هشاشة قُصْوى، وتقوية قُدُرات الفاعلين المحليين في التنمية.
أيها الحضور الكريم،
بِما أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، كما جاء في الخطاب الملكي السامي الْمَرْجِعي، ورشٌ مفتوح باستمرار، عبر مُقاربات مُتجددة للارْتقاء بالتنمية البشرية في بعدها الْمُستدام، فقد شَهِدَت حتى الآن ثلاثة مراحل مُتتالية، تمحورت خلال المرحلة الأولى، الممتدَّة ما بين سنتي 2005 و2010، حول أرْبَعَة برامج لتحسين الأوْضاع الْمَعيشِيَّة لِلفئات الاجتماعية الْمُستهدَفة، من خلال برنامج مُحاربة الفقر في الوسط القروي، وبرنامج مُحاربة الإقْصاء الاجتماعي في الوسط الحضري، وبرنامج مُحاربة الهشاشة، والبرنامج الأفُقي.
في حين عرفت في المرحلة الثانية، التي بدأت سنة 2011، دَفْعَةً كُبرى تَجلَّت في الرفْع من مُخَصَّصاتِها من الاعتمادات المالية، مِما مَكَنَّها من اسْتهداف أعدادًا كبيرة من الجماعات القروية والأحْياء الحضرية الناقصة التجهيز والدَّواوير الْمَعْزولة.
وفي 19 شتنبر 2018، أشْرَف جلالةُ الملك، أيَّدَهُ الله، على إعْطاء الانْطلاقة لِلمرحلة الثالثة (2019-2023)، الرامية إلى تحصين مُكتسبات المرحلتَيْن السابقتَيْن، بعد تقييم دَقيقٍ وشامل لهُما، وإعادة توجيه البرامج وِفْقَ هندسة جديدة تَتَصَدَّى، بطريقة اسْتِباقية، لِلمُعيقات الأساسية التي تُواجه التنمية البشرية للفرد طيلَةَ مراحِل نُمُوِّه، مع دعم الفئات في وضعية صعبة، وإطلاق جِيلٍ جديد من المبادرات الْمُحْدِثَة لفرص الشغل وتطوير هذه الفرص.
وترتكِزُ في ذلك على أرْبعة برامج، يهم أوَّلُها تدارُك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية في المجالات الترابية الأقل تجهيزًا، فيما يَرُومُ الثاني إلى مُواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة وإعادة الادماج الاجتماعي للفئات الهشة.
أما البرنامج الثالث فيسعى إلى تحسين الدخل والادْماج الاقتصادي للشباب، ويعتمد على مُقاربة تُرابية قِوامُها مُواكبة الْقُرب وتثمين المؤهلات والثروات المحلية، بينما يهْدِف البرنامج الرابع إلى النُّهوض بالرأسمال البشري من خِلال دعم التنمية البشرية للأجْيال الصاعِدَة وتنمية الطُّفولة الْمُبَكِّرَة.
وبِمُجَرَّدِ ظُهور وانتشار جائحة كورونا، التي ألقت بتداعياتها السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية، ولمْ يَسْلَم من تَبِعاتِها أيُّ منحَى من مَناحي الحياة الاجتماعية، فضلًا عَمَا واكبَ التَّصَدِّي لها من تَطْبِيقٍ لِحالة الطَّوارِئ الصحية، شَكَّلَت المبادرة آلِية ناجِعة لِدعم ومُؤازَرَة الفئات الاجتماعية الأكثر تَضَرُّرًا، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتخفيف من آثار الوباء عليها، في انسجامٍ تام مع الأهمية التي تُوليها المرحلة الثالثة للأجيال الصاعدة، بما فيها صِحة الأم والطفل، والنُّهوض بالتعليم الأولي، ومواكبة الفرد في مختلف مراحل نُمُوِّه.
وبهذا الخصوص، حضرات السيدات والسادة، وفي منظور جعل تاريخ 18 ماي من كُلِّ عامٍ يومًا وطنيا للرأسْمال البشري، اخْتارت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هذه السنة احياء ذكرى اطلاقها تحت شعار “كوفيد 19 والتعليم: حَصِيلَة وآفاق من أجْل المحافظة على المكتسبات”.
ويَجِدُ هذا الاختيار مُبَرِّراتِه في الدراسات والتَّقارير التي كَشَفَت عن الْوَقْعِ السِّلْبِي النَّاجِم عن الجائِحة على قِطاع التربية والتعليم تحديدًا، فَبَعْدَ أن كان مُؤَشِّرُ الرأسمال البشري فيما يتعلق بالتعليم والتَّمَدْرُس يعرف نُمُوًا بنسبة 6 بالمائة سنويًا طيلةَ الْعَقْدِ الأخير، باتَ مُعَرَّضًا اليوم لِلتَّراجُع، مما يُضْعِف الْمُكتسبات المحقَّقَة في هذا الميدان، نَتِيجَةَ الاغْلاق المؤقت للمؤسسات المدرسية واللُّجوء إلى التعليم عن بُعْد.
وفي حالة غياب التدابير المناسبة لِرفْعِ هذا التَّحَدِّي، فإنَّ التَّعَلُّم الْفِعْلي للتلميذ المغربي مُعَرَّضٌ للتراجع، سواء من حيث مُدَّة التَّمَدْرُس الْفِعْلِي أو نِسْبَة التَّعَلُّمات السَّنَوِيَّة الْمُحَقَّقَة.
وبما أنَّ التربية، ذاتُ الجودة الشامِلة والعادلة، تُوجَد في صُلْبِ أهْداف ومَرامي المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما جاء في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الْمُشاركين في الدورة الأولى للمُناظرة الوطنية للتنمية البشرية بالصخيرات خلال شهر شتنبر 2019.
فإن لقاءَنا اليوم يُشَكِّلُ فُرْصَةً لِلتَّداوُل حول موضوع التأثيرات المتَرَتِّبَة عن أزْمَةِ الجائحة على التربية والتعليم، والإجراءات التي بالإمْكان اتخاذُها لمواجهتها في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإبراز الجهود المبذولة، وإيجاد الحلول للإشكاليات المطروحة، ومناقشة التدابير المستقبلية الكفيلة بِتحسين تَنفيذ برامج المبادرة، بما يستجيب لِلتَّطَلُّعات الرامية إلى المحافظة على المكتسبات، ومُواجهة التَّحَدِّيَّات، ورِبْح رِهانات المرحلة الثالثة.
والسلام عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاتُه.