Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

احمد بوزيد : وثيقة ” البيان الديموقراطي”مرجعية كاشفة للمخيال الثقافي لحساسية فكرية معينة إزاء قضايا الهوية واللغة والثقافة والذاكرة والتاريخ في المغرب

تعد وثيقة ” البيان الديموقراطي” الموقعة من قبل بعض المثقفين المغاربة سنة 2011، بالموازاة مع احتجاجات ونضالات شباب حركة 20 فبراير، وثيقة مرجعية كاشفة للمخيال الثقافي لحساسية فكرية معينة إزاء قضايا الهوية واللغة والثقافة والذاكرة والتاريخ في المغرب، وتكشف أن تلك الحساسية لا تؤمن بالتعدد الثقافي واللغوي، ولها موقف مناوئ للهوية الثقافية الأمازيغية في المغرب ولمبدأ العدالة الثقافية واللغوية ولأفق فعلية الحقوق، رغم تأكيدها من داخل البيان على ذلك بقولها “هو الأساس في النظام الديمقراطي الحديث، يقضي بالتسليم الدستوري والقانوني بالمساواة الكاملة في الحقوق المدنية والسياسية لأفراد المجتمع كافة، وعدم التمييز بينهم على هذا الصعيد بسبب الجنس أو الدين أو العرق، ولما كانت المواطنة بنية علاقات أفقية تصهر أفراد المجتمع كافة في شخصية عامة مواطنة تلحظ الحقوق الفردية والعامة” إلا أنها تقر ضرورة “حاكمية” مخيالها عن المغرب والمغربي وثقافته وتاريخه، وإعلانها الصريح رفض ترسيم اللغة الأمازيغية، يتمثل الإقرار الذي يعتبر مسلمة دعائية فيما ورد في البيان من كون “أي نص دستوري يتناول مسألة اللغة والانتماء، ينبغي أن يلحظ الحقيقة التالية، وهي أن المغرب بلد ينتمي إلى الوطن العربي الكبير، ويسعى إلى وحدته وإلى الوحدة المغاربية، وأن نسيجه الاجتماعي والوطني يقوم على تنوع ثقافي ولغوي، وأن اللغة العربية والأمازيغية والحسانية تشكل لغاته الوطنية، وأن اللغة العربية هي لغته الرسمية” هكذا يقدم الموقعون على البيان أنفسهم الحقيقة المطلقة، حقيقة المخيال الناظم لتصورهم ورؤيتهم إلى المجتمع، وهكذا يتكرس الملمح التناقضي والمفارقة بين القول بفعلية الحقوق وأفق الحقوق اللغوية والثقافية والمواطنة والمساواة والعدالة التي عدها مقومات للنظام الديموقراطي الحديث، الذي يقول بضرورة عدم الميز، وبين ينبغييات المخيال وحقيقته الصادرة عن لاوعي التطابق، والتي يرى فيها البيان الشرط القبلي للتفكير في سؤال اللغة والهوية.
لهذه الجقيقة وجهين، الأول هو انتماء المغرب إلى الوطن العربي الكبير، وهو ما يغفل التعدد الثقافي والغوي في شمال افريقيا والشرق الأوسط ووجود الكرد والأمازيغ، ويغفل المشتركات الثقافية العميقة التي تصل المغرب بالفضاء المتوسطي وواقعة وجوده في العالم الافريقي، إنها حقيقة سردية اثنية، هي سردية القومية العربية المؤطرة في السياق الحديث بأسناد إيديولوجية، والتي تعد نظيمة ما عرفته شعوب الشرق الأوسط وشمال افريقيا من اضطهاد، وما عرفه التاريخ القريب من ثمانين ألف من كرد العراق من إبادة عن بكرة أبيها في حلبجة من قبل نظام البعث وما عرفه أمازيغ ليبيامن تقتيل من قبل القذافي، وما عاشته المجتمعات التي لا تنتسب لهذه الاثنية من وصم واضطهاد وتهجير وتدليس لتاريخها وكبح عنفوان ثقافتها وفنونها وتقويض بنياتها الاجتماعية والثقافية، هي الأثر الاجتماعي والسياسي للحقيقة الإديولوجية ذاتها التي تنهض على المخيال ذاته. أما الوجه الثاني لهذه الحقيقة المطلقة فهو ما ارتضاه “البيان الديموقراطي” في ترتيبه لأوضاع اللغات في المغرب، بعده الأمازيغية لغة وطنية، واللغة العربية هي لغته الرسمية، هذا التراتبية التي قدمت بوصفها “الحقيقة” وبوصفها أوكد شرط لمقاربة اللغة والانتماء. ليست الحقيقة هي ما يلزم من تأطير المقاربة الدستورية بمنهجية مبادئ حقوق الإنسان، وبمبدأي العدالة والمساوة، إن الحقيقة التي نادى بها ” البيان الديموقراطي” حقيقة إيديولوجية تغالط وقائع المعيش وأثر الذاكرة والترسبات في طرس التاريخ، إنها سلطة الأهواء، حيث لا أهمية للمعرفة الإنسانية التي يقدم المثقف نفسه منشغلا بها وبنسبياتها، ولا أثر لها في بناء أسس التفكير في قضايا الهوية وإحقاق حقوق الإنسان وإرساء المواطنة.

إن هذا المخيال، يستدعي ما سماه المفكر الافريقي نوغوجو واثينوغو تصفية استعمار العقل، بوصفه مخيالا بنى جماعة متخيلة ومجتمعا متخيلا، يواجه اليوم بمخيال جذري بالمفهوم الذي اقترحه الفيلسوف كورنيليوس كاستورياديس، كآلية لكشف هذه المفارقات والملامح التناقضية. التي تقيد الحقوق بمقدمات إثنية هووية وبصور جماعات متخيلة علا بها المثقف إلى مقام حقائق الوجود الاجتماعي، وأرساها كمنطلقات ومقدمات جديرة بأن ” تلحظ” حيث تبئير الملاحظة البصرية في موضوع ” الانتماء” إلى جماعة متخيلة، وأقوال بعض من المثقفين المغاربة اليوم، تصدر عن الخيال ذاته.
صلة بالسياق الذي شهد انبثاق هذه الرؤية، من المفيد التذكير بما انكتب في افتتاحية أحد أعداد مجلة البيت، من كون تلك اللحظة، أدت إلى انتقال الخوف من جسد المضطهد – بفتح الطاء- إلى جسد المضطهد – بكسر الطاء- ما أدى إلى القيام بممارسات غريبة، تصدر عن الخوف، وبتحقق الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية، بات واضحة أن ” البيان الديموقراطي” تجسيد فعلي لذلك الخوف، بصدوره عن منطقة اللاوعي لا الوعي العلمي، وبصدوره عن الخوف ورهاب التعدد، وباستناده إلى قيمة ” الديموقراطية” لتكريس اللاديموقراطية والميز من قبل المثقفين الموقعين، وبتحول “الديموقراطي” إلى مطية وسماد للمخيال المتعالي على حقاىق التاريخ وسيرورة الواقع وتركيبة المجتمع وتشكيلاته الاجتماعية وتراثه وثقافاته ولغاته. يصدق على “البيان الديموقراطي” ونساج سرديته ما كتبه الشاعر سعيد الباز في شذرة عميقة “هذه هي الحقيقة العارية: الكلام مجّاني، والموقف مكلّف!”

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.