إيمانويل ماكرون يشن حربا ضد تشغيل المغاربة في الشركات الفرنسية
أمام عدم نجاح مسعاها “الانتهازي” في تجنيد دبلوماسية “كارثة الزلزال” لتسوية الخلاف العميق مع المغرب، فتحت باريس جبهة أخرى لممارسة الضغط على الرباط، ويتعلق الأمر بتمرير تعليمات سرية إلى الشركات والمؤسسات الفرنسية للعمل على رفض طلبات التشغيل التي يتقدم بها مغاربة ذوو مؤهلات علمية عالية، وذلك إمعانا في حملة التمييز ضد كل ما/من يمت للمغرب بصلة، لا لشيء سوى لأن ماكرون فشل في مناورته الأخيرة من تكسير حلقة الجليد مع هذا الدولة التي كان يعتبرها المتعاقبون على “الإليزيه” حليفا تقليديا.
وقد اعتبر مراقبون أن “تعليمات” ماكرون بخصوص توظيف المغاربة في الشركات الفرنسية مجرد حرب مفتوحة من أجل الضغط في اتجاه إلزام الرباط بالعودة إلى الطاعة. حرب تزداد اشتعالا كلما نجح المغرب في إبطال “استراتيجيات التطبيع” التي تمارسها فرنسا. والدليل على ذلك أن ماكرون مارس كل شيء بإمكانه أن يفعله، باستثناء الخضوع إلى الاشتراط الملكي الذي ربط شراكاته الكبرى مع الدول باتخاذها مواقف واضحة من مغربية الصحراء (ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم).
إعاقة تشغيل الأطر والكفاءات المغربية في المقاولات والمؤسسات الفرنسية سبقته ممارسات عنصرية أخرى لا تقل عنصرية، حيث سبق لدراسة أنجزها “المرصد الوطني للتمييز والمساواة في التعليم العالي بفرنسا” أن كشفت عن تمييز يتعرض له الطلبة المغاربة في الجامعات الفرنسية، إذ أكدت أن المرشحين من شمال إفريقيا الذين يقدمون ملفاتهم للحصول على درجة الماجستير في الجامعة لديهم فرصة أقل بنسبة 12 في المائة للحصول على رد.
وحسب الدراسة، فإن التمييز ضد المغاربة يكون أكبر في العلوم القانونية (33.3%)، ثم العلوم والتكنولوجيا والصحة (21.1%)، والآداب واللغات والفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية (7.3 %).
لقد تبددت “التاكتيكات” التي أراد أن يطبقها الرئيس ماكرون على المغرب، وظلت طائراته المحملة بالمساعدات تنتظر في قواعدها. والحال أن الرباط عرفت كيف تحرق بذكاء ورقة التدخل الإنساني الفرنسي في الحوز، مما جرح الأنفة الفرنسية، خاصة أمام الترحيب الذي حظيت به مساعدات الغريمين البريطاني والإسباني، فضلا عن الإمارات وقطر.
هذا المعطى، ومع نجاح المغرب في الخروج من الكارثة، والتنويه الذي حظي به من العالم بخصوص قدراته الذاتية على مواجهة الكوارث، دفع قصر الإليزيه إلى التفكير في صيغ أخرى للضغط على الرباط من أجل أن تعيدها إلى “جادة الصواب”، فإلى جانب تسخير الجزائر للعب دور “الحياح” وقضية التقليص من التأشيرات، ومضايقة المسؤولين المغاربة في مطارات فرنسا، والتحيز الصريح إلى الجزائر، ومحاولة عرقلة التقدم المغربي في غرب القارة الإفريقية، وتأليب البرلمان الأوروبي، والتحرش الإعلامي الفاضح بالسيادة المغربية، وإطلاق الإشاعات ورعايتها، والتهديد المبطن بفضح الخبايا والخفايا، أتى الدور على “النخبة” المغربية التي تخرجت من الجامعات والمعاهد الفرنسية من أجل عرقلة ولوجها إلى سوق الشغل. ذلك أن فرنسا تعمل كل ما بوسعها حتى لا يفرض المغرب نفسه كقوة في المغرب العربي أو إفريقيا. كما أنها لا تريد التفريط في “خيرات الجزائر”، ولا في استثماراتها هناك، ولا في الرشاوى التي يقدمها العسكر الجزائري على شكل صفقات تجارية، مدنية وعسكرية، رغم أن “قصر المرادية” يعيش في زمن شنقريحة وتبون، وضعا غامضا.
إن فرنسا ماكرون، كما يبدو، لم تتعلم الدرس بعد، ولم تفطن إلى أن حروبها الصغيرة على المغرب تشبه قضمات فأر لأطراف مياه الأطلسي، وأن محاولة تقويض الإرادة المغربية في بناء شراكات متعددة الأطراف ستؤول دائما إلى الفشل، ما دام العقل الاستعماري البائد هو الذي ينتجها، وما دام ماكرون لم يخرج من عنجهيته في التعامل مع “المستعمرات السابقة”. مما يحتم على الفرنسيين، إن كانوا يريدون الحفاظ على مكانتهم كقوة عالمية أن ينتفضوا في وجه النزعة الماكرونية، وأن يضغطوا بكل ما أوتوا من مؤسسات لإرغام رئيسهم على التعقل، وعلى الاعتراف بمغربية الصحراء، كما اعترفت بذلك أقوى العواصم الأوروبية، وذلك أضعف الإيمان.