Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

إرجاع التلاميذ المفصولين و المنقطعين: من المعالجة الإدارية الصرفة إلى المعالجة التربوية

اعداد: عبد الغفور العلام مفتش التخطيط التربوي

تعتبر عملية إعادة التلاميذ المفصولين و المنقطعين من العمليات الروتينية التي دأبت المؤسسات التعليمية على إنجازها كل بداية سنة دراسية، لكن الجديد هذه السنة يتمثل في كون هذه العملية تحولت إلى ظاهرة اجتماعية لافتة للنظر، ومؤرقة للآباء و المسؤولين التربويين على حد سواء. نظرا من جهة، للعدد الهائل من التلاميذ المفصولين و المنقطعين الذين قدموا طلباتهم وعبروا عن رغبتهم للعودة للدراسة و الذي يفوق عددهم بكثير عدد المقاعد الشاغرة في المؤسسات التعليمية بجميع أسلاكها ، و من جهة أخرى لتأثير عدم تلبية طلبات التلاميذ المفصولين و المنقطعين على تنامي ظاهرة الهدر المدرسي.
والحقيقة أن بروز هذه الظاهرة الاجتماعية في الآونة الأخيرة، يحيلنا على مجموعة من التساؤلات:
من المسؤول عن انقطاع و فصل هذا العدد الهائل من التلميذات و التلاميذ؟

و ما مدى ملائمة القوانين و المذكرات المنظمة لعملية إرجاع التلاميذ المفصولين و المنقطعين لواقع الحال؟
و ما هي المقاربة المثلى التي يجب إتباعها حيال هؤلاء التلاميذ؟ هل يجب استعمال المقاربة الإدارية الصرفة لكون أن التلاميذ استنفدوا جميع سنوات التمدرس والتكرار المخولة لهم قانونيا، أم يجب إعمال المقاربة التربوية لإرجاع أكبر عدد ممكن من التلاميذ المفصولين و المنقطعين و الاحتفاظ بهم داخل المنظومة التربوية أطول مدة ممكنة ؟
و في الأخير ما هي الحلول و الاقتراحات التي من شأنها معالجة هذه الظاهرة الاجتماعية؟
التلاميذ المنقطعون و المفصولون عن الدراسة : من المسؤول؟

الجميع مسؤول كل من موقعه عن تنامي ظاهرة الفصل و الانقطاع عن الدراسة، على اعتبار أن التلميذ المنفصل أو المنقطع هو نتاج لمنظومتنا التربوية، التي ساهم جميع الفاعلين و المتدخلين في أزمتها ، و من الإنصاف أن لا يؤدي التلميذ الثمن لوحده باعتباره كبش الفداء، نظرا لكونه الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية. 
فالسلطات التربوية الوصية مسؤولة عن تفشي ظاهرة الفصل و الانقطاع عن الدراسة، فرغم أنها أعدت مخططات جريئة لمحاربة الهدر المدرسي وخصصت لها اعتمادات مهمة خلال السنوات الفارطة ( البرنامج الإستعجالي ، برنامج تسيير، الدعم الاجتماعي، مطاعم مدرسية، داخليات…) إلا أنه واستنادا إلى كل التقارير الوطنية و الدولية الأخيرة، فمؤشرات الهدر المدرسي في جميع الأسلاك التعليمية ضلت مرتفعة مقارنة مع مؤشرات منظومات تربوية لدول في نفس مستوى بلادنا، وهذا راجع بالأساس إلى ضعف ممارسة الحكامة الجيدة في التعاطي مع هذا الملف، و إلى تغليب المقاربة التقنوقراطية على المقاربة التربوية في تدبير الشأن التعليمي.
و في هذا الإطار كذلك، و من باب الموضوعية و الإنصاف، فالمنظومة التربوية بكافة الفاعلين و المتدخلين، مسؤولة بدرجات متفاوتة عن تنامي هذه الظاهرة حسب درجة مشاركتهم و تأثيرهم في صناعة القرار التربوي ( مسؤولون تربويون، مفتشون، مديرون،أساتذة، جمعية الأباء و الأمهات،نقابات، جمعيات المجتمع المدني…).
فالجميع مسؤول عن تنامي الظاهرة ، و الجميع مدعوا لإيجاد الحلول الممكنة واستثمار الفرص المتاحة والكفيلة بوقف نزيف الهدر المدرسي الذي ينخر منظومتنا التربوية.
من المعالجة الإدارية الصرفة إلى المعالجة التربوية:

في البداية لا بد من الاعتراف بالمجهود التشريعي المهم الذي قامت به الوزارة الوصية لمحاصرة ظاهرة الفصل و الانقطاع عن الدراسة، من خلال إصدار كم الهائل من المذكرات المنظمة لعملية إرجاع التلاميذ المفصولين و المنقطعين و الاحتفاظ بهم داخل المنظومة التربوية أطول مدة ممكنة :
– المذكرة رقم 118 بتاريخ 25 شتنبر 2003 في شأن إرجاع التلاميذ المفصولين والمنقطعين عن الدراسة ؛
– المذكرة رقم 113 بتاريخ 22 شتنبر 2008 حول موضوع : الحد من الهدر؛
– المذكرة الإطار رقم 79 بتاريخ 13 يوليوز 2004 حول الدخول المدرسي 03/04 ؛
– المذكرة رقم 846.04 بتاريخ 01 أكتوبر 2004 ؛
– المذكرة الإطار رقم 89 بتاريخ 19 غشت 2005 حول الدخول المدرسي05/06؛
– المذكرة رقم 815.50 بتاريخ 21 شتنبر 2005 ؛
– المذكرة رقم 137 بتاريخ 04 أكتوبر 2006 في موضوع إرجاع التلاميذ المفصولين والمنقطعين عن الدراسة.
و في هذا الصدد، نشير إلى أن تجربة إرجاع المفصولين و المنقطعين عن الدراسة مرت بمرحلتين أساسيتين:
تجربة لجن النيابات الإقليمية:

و التي استمرت إلى غاية 2003، حيث كانت تعالج طلبات إرجاع المفصولين و المنقطعين (أو ما يسمى ب : طلبات و ملتمسات الرجوع للدراسة، طلبات الاستعطاف، طلبات الإنقاذ، طلبات الفرصة الأخيرة…) على الصعيد الإقليمي و ذلك بعقد لجنة إقليمية يرأسها السيد النائب الإقليمي و تضم كل من : رئيس مصلحة التخطيط، رئيس مصلحة الشؤون التربوية، مفتش التخطيط و التوجيه التربوي، ممثل عن المستشارين في التوجيه التربوي، ممثل عن مديري المؤسسات التعليمية مدير عن كل سلك، مثل جمعيات الآباء و الأمهات و ممثلين عن الأساتذة. 
هذه اللجنة كانت تبث في جميع الطلبات المقدمة عليها، و كانت المقاربة المعتمدة هي المقاربة التربوية المتمركزة حول مصلحة التلميذ أولا و أخيرا. ومن حسنات هذه التجربة أنها غالبا ما كانت تلبي جميع الطلبات إلا بالنسبة للحالات الشاذة. مما كان يخلف ارتياحا و استحسانا لدى الأسر و التلاميذ على حد سواء، كما أن التجربة أثبت بالملموس أن نسبة كبيرة من التلاميذ الذين تم إرجاعهم نجحوا في مسارهم الدراسي.
تجربة إشراك المؤسسات التعليمية في إرجاع المفصولين و المنقطعين:

فتجسيدا لمنح استقلالية أوسع للمؤسسات التعليمية في اتخاذ القرار التربوي و تفعيلا لمجالسها التربوية الداخلية، جاءت المذكرة رقم 118 بتاريخ 25 شتنبر 2003 ،و التي استندت على قرار السيد وزير التربية الوطنية رقم 2071.01 بتاريخ 23 نونبر 2001، لتمنح مجالس الأقسام على مستوى المؤسسات التعليمة حق البث في طلبات الرجوع إلى الدراسة المتعلقة بالتلاميذ المفصولين أو المنقطعين نظرا لكون الأساتذة و الأطر الإدارية هم الأقرب للتلاميذ .
و قد نصت المذكرة 118 على: “السماح بالعودة إلى الدراسة للتلاميذ الذين لم يتجاوز عمرهم 16 سنة. و وضع مقاييس موحدة للبث في باقي الحالات، تأخذ بعين الاعتبار النتائج الدراسية والسلوك والسن والوضعية الصحية والاجتماعية للمعنيين بالأمر ، وكذا معطيات الخريطة المدرسية في اتجاه الاستغلال الأمثل للتجهيزات والموارد البشرية “.
و بالموازاة مع عمل مجالس الأقسام، ولضمان تكافؤ الفرص بين التلاميذ، فان المذكر 118 تنص كذلك على: “إحداث لجنة على مستوى النيابة يعهد إليها بتتبع سير إنجاز هذه العملية، واتخاذ الحلول المناسبة بخصوص توزيع التلاميذ بين مؤسسات التربية والتكوين في حالة اكتظاظ.”
لكن الممارسة الميدانية، أثبتت أن بعض المجالس نظرا لاعتبارات موضوعية أحيانا و لاعتبارات ذاتية أحيانا أخرى، لا توافق على مجموعة من الطلبات المقدمة إليها بدعوى:
ظاهرة الاكتظاظ، خصوصا في التعليم الثانوي التأهيلي؛
أن هذه المجالس قامت العملية الإرجاع في نهاية السنة الدراسية؛
التخوف من تغيير البنية التربوية و بالتالي إضافة ساعات أخرى للأساتذة؛
السلوك المشين و العدواني لبعض التلاميذ، مستحضرين تجارب سابقة لبعض التلاميذ الذين تم إرجاعهم و الذين عانت معهم الأطر الإدارة و التربوية الأمرين.
و في هذا الصدد، جاءت المذكرة 137 بتاريخ 04 أكتوبر 2006، لتوسيع دائرة المستفيدين من هذه العملية، من خلال التنصيص على ضرورة الاحتفاظ بالتلاميذ أكثر ما يمكن داخل النظام التربوي، وكذا الحرص على التعامل بمرونة مع القرار الوزاري المنظم للدراسة رقم 2071.01 بتاريخ 23 نونبر 2001، مع تجنب قدر الإمكان التسرع في فصل التلاميذ و رفع السن المسموح به لإرجاع التلاميذ إلى الدراسية من 16 إلى 18 سنة.
لكن الملاحظة الأساسية خلال السنوات الأخيرة من تطبيق تجربة الإرجاع على صعيد المؤسسات التعليمية، أنه و بالرغم من تفويض البث في طلبات الرجوع إلى الدراسة إلى مجالس الأقسام ، تبقى مجموعة مهمة من طلبات الاستعطاف تتقاطر على النيابات الإقليمية بعد انعقاد مجالس الأقسام ، مما يطرح بحدة السؤال حول كيفية قراءة و تطبيق مضامين المذكرات المنظمة للعملية من طرف بعض مجالس الأقسام.
فكل مؤسسة تعليمية تؤول المذكرات المنظمة على حسب فهمها لمنطوق وروح المذكرات المنظمة لعملية إرجاع المفصولين والمنقطعين، مما يضيع الفرصة على مجموعة من التلاميذ من الرجوع للدراسة.
و إجمالا يمكن القول أن معالجة هذه الظاهرة لا يجب أن يتم بإعمال المقاربة الإدارية الصرفة من خلال تطبيق المذكرات المنظمة تطبيقا حرفيا وخصوصا قرار وزير التربية الوطنية رقم 2071.01 بشأن النظام المدرسي في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي . فالمرونة واجبة، و استحضار الجوانب السوسيو- اقتصادية و النفسية المحيطة بالتلميذ ضرورة منهجية في عملية البث في طلبات الرجوع إلى الدراسة.
فالظاهرة تعني التلميذ بالأساس، ولا يمكن معالجتها إلا بمقاربة تربوية تراعى فيها كل الجوانب و الأبعاد و العوامل المؤثرة في التلميذ ومحيطه. و الهدف الأساس من هذه العملية هو إرجاع أكبر عدد ممكن من التلاميذ المفصولين و المنقطعين و الاحتفاظ بهم داخل المنظومة التربوية أطول مدة ممكنة، من أجل وقف النزيف الحاد الذي تعاني منه منظومتنا التربوية.
بعض الاقتراحات لإنجاح عملية إرجاع التلاميذ المفصولين و المنقطعين:
– للخروج من المأزق و لمحاصرة الظاهرة ، لابد من تبني مقاربة متعددة الأبعاد و المستويات وبلورة تصور وإستراتيجية واضحة المعالم ( مركزيا، جهويا، إقليميا ومحليا) لمواجهة ظاهرة الفصل و الانقطاع و عن الدراسة، و ذلك من خلال إشراك جميع الفاعلين و المتدخلين في الشأن التربوي في إيجاد الحلول المناسبة وبلورة الاقتراحات الملائمة.
– استثمار البحوث التربوية المنجزة حول ظاهرة الهدر المدرسي، و القيام ببحوث ميدانية جديدة تساعد عل فهم الظاهرة بأبعادها الجديدة و إيجاد الحلول الممكنة.
– ضرورة مراجعة المذكرات الحالية، على اعتبار أن أول مذكرة منظمة للعملية ترجع إلى 2003 (المذكرة رقم 118 بتاريخ 25 شتنبر 2003 )، و من ذلك التاريخ إلى الآن مدة كافية لتقييم المذكرة و إعادة النظر في محتوياتها و تحيينها وفق المستجدات الطارئة.
– مصاحبة المذكرات الوزارية المنظمة للعملية، بإصدار مذكرات جهوية و إقليمية تضبط العملية و توحد فهم منطوق وروح المذكرات الوزارية، وتحدد كذلك المعايير الموضوعية لإرجاع المفصولين و المنقطعين، مع ترك المجال مفتوحا للمرونة في التطبيق، وكذا مراعاة الخصوصيات المحلية لكل مؤسسة تعليمية.
– استنفاد كل الحلول المتاحة من أجل إرجاع أكبر عدد ممكن من التلاميذ المفصولين و المنقطعين ( الإرجاع بشروط، توقيع التزام مصادق عليه،…)
– الحرص على إحداث خلية بكل المؤسسات التعليمية لمصاحبة ودعم التلاميذ الذين تم إرجاعهم، فالتجارب الميدانية أثبتت أن التلاميذ الذين تتم مواكبتهم ومتابعتهم يحققون نتائج أفضل.

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. Aicha ben ali يقول

    اريد شھادة دراسية الخامس الابتدائي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.