أيديولوجية “تامّــــــارا” ومفارقات ثقافة “الســـــلكـــة”.
بقلم محمد المدلاوي.
كنت أقطن سنة 1984 بساحة الكولونيل فابيان بباريس، أثناء تحضيري لدكتوراه السلك-3. زارني صديقي العزيز، المرحوم عبد السلام أرخصيص، الذي كان يسكن في الضاحية. خرجنا معا للقيام بفسحة في غيضة “بيت-شومون” القريبة. استرعت انتباه زميلي، في طريقنا، بناية كبرى بيضاء اللون ونصف-كوروية الشكل المعماري وسط فضاء مكسوّ عشبا.بينتُ له: “هاداك هوّا ماقرّ الحيزب الشيوعي؛ يلا بغيتي تسلّم على الرافيق جورج مارشي … (كان جورج مارشي قد تخلّى عن ركن “ديكتاتورية البروليتاريا” في النظرية الشيوعية السلفية المعيارية، بعد ظهور أيديولوجية “الأورو-شيوعية” فأواخر السبعينات)”.
توقّف زميلي في الحين مستغربا فقال: “تّــراخّ يا ودّي تّراخّ، على حيزب البروليتاريا بهاذ السوبّير-لوكس …”.
توقّفت بدوري في الحين معقّبا عليه بعنف وسرعة لكن في ممازحة: “وا مال ملّــتكوم، نتوما يا هاذ القوم، صحاب إيـــــــــديولوجيــــة تـــــامّـــارا؟ كا تبجّلو غير الزلط والوسخ؛ وعندكوم حاساسيّة موفريطة معا جميع وجوه النقاوة، والخير، والفن”…”.
تضوّر صاحبي وتثنّى بالضحك مقهقها، كما لو أن الفكرة كانت ثاوية مكبوتة ذاتيا لديه …
(للتوضيح: لم أكن حينئذ “بورجوازيا صغيرا متذبذبا”. كنت أقضي الشهر بنصف مرتبي كأستاذ متفرغ حينئذ أي بــ 1600-د؛ أدفع منها 800-د كثمن كراء بباريس، والنصف الآخر متروك لزوجتي وابني في المغرب يؤدى منه 700-د كثمن للكراء؛ ولكن، لحسن حظّي لم أكن أعاني من حساسية رؤية مظاهر النعمة العمومية أو الخصوصية).
سقت هذا بمناسبة الانتفاضة الأخلاقية عند “زهّاد” المرّوك الذين يبدو أنهم الأغلبية. ثارت ثائرتهم مرتين في أسبوع واحد.
ثارت بسبب مشهد مصوّر لفسحة خصوصيّـــــــــــــــــــــة على متن يخت صغير في البحر تخللـتـها حركات راقصة لإحداهنّ ويظهر فيها أحدهم هو من استقطب اهتمامَ جمهور الطهرانيين المراركة: “شوفو مصطفى؛ حشومة على مصطفى؛ شوفو فين مشى المال العام”؛ واش مصطفى ولّا ماشي مصطفى؟”. لن أدخل في تفاصيل هذه النكتة البئيسة لتفاهتها في حد ذاتها بالرغم مما ينطوي عليه ترويجها من دلالات.
وكانت قد ثارت ثائرة الغيورين الصفاء والاستقامة على شكل محاسبة عمومية بعدية وبعد حين من الدهر لطيف كامل من الشعراء والكتاب قيل عنهم إنهم قد اغتنوا من إكراميات الإمارات بأشكال مختلفة ما بين جوائز وتعويض عن خدمات، إلى درجة أن بعض زهّاد اليوم، الذين كانوا يتسابقون بالأمس إلى تهنئة الفائزين بالإكراميات، لم يطالبوا فقط بمقاطعة الترشّح لما يستقبل من خدمات وإكراميات الإمارات، هي وحدها دون غيرها، ولكنهم يدعون من كان قد فاز إلى ردّ ما فاز به! فعلوا ذلك دفاعا عن القضية الوطنية الأولى، قضية فلسطين كما يدّعون، وتضامنا الشعب الفلسطيني بعد أن أقدمت الإمارات على إبرام اتفاقية مع إسرائيل ملتحقة بذلك بركب كل من مصر والأردن، وخصوصا تركيا التي تربطها بالدولة العبرية اتفاقيات استراتيجية اقتصادية وعسكرية وثقافية أقدم.
يقول سابر أغوار النفسيات الضعيفة ما يلي:
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونُهُ * وصدّق ما يعتاده من توهّم
جميع المحاكمات الأخلاقية إذن صادرة عن الفِعال الصغيرة والنوايا الكبيرة التي لم تُوفّـق. فقطيع الزهّاد يظن ويتصوّر أن كافــة قطيع الغادين والرائحين، الساعين سعيا إلى “إيلدورادو الإكراميات” قد اغتنوا عن طريق توزيع رزمات الدولار كما توزّع القطع النقدية على الأطفال صبيحة عيد عاشورا.
هاذشّي كا يذكّرني بواحد الهضرة سمعتها مرّتين من واحد الرافيق الكبير بزّاف؛ المرة الأولى كانت فالبهو ديال واحد الأوطيل على إثر واحد النيقاش متوتّر بينه وبين المرحوم عبد اللطيف حسني صاحب مجلة “وجهة نظر” وكنت انا غير كًالس معاهوم كا نتّصنّت، والثانية كانت عام 2003 فسيارتي خيلال ريحلة من الرباط لأكادير عبر مراكش. كا يقول هذاك الرافيق ويعاود، وهوا مآمن باللي كا يقول، بلّي كاين فبلاد المرّوك قرابة 4000 د-العومالا د-الماريكان، كا يتوصّلو بالمانضة ديالهوم شهريا !
لا، لا، ثم لا؛ ونزيد ونقول: أهـــــــــــووووي، يا معشر “الزهّاد في كلّ من هيّا بعيدة أو ما صدقات-ش” ديال المرّوك الجيعان اللي عندو الحرمان فالكًـلـب. لا؛ راه غير بعض “الشـــــنّــاقـــــــــــة”، اللي هوما قُـلال، اللي كا يغتانيو بالفيعل من خدمات الوساطات ديالهوم من أجل تدجين وتسخير القاطيع.
أما القاطيع في حدّ ذاته، راه ما كا يفوت-شي بعض التذكيرات ديال الطيّارة، وشي ليلات/يامات فشي أوطيل، وشي حاجة د-المرقة والمورطّيبات كيما كا يحصل هنا نيت فبلاد المرّوك في إطار ثقافة تقاليد “الســـلكــــة” اللي ورثوها الكتّاب/الشعراء/المثقافين/المخمّيمين على أسلافهوم “الطولبا” واللي كانوا قالوا عليها هاذ الطولبا “السلكة قريبة والاو في بغداد”. ذاكشّي اللي كاين من نهار بدات هاذ الظاهيرة ديال “السلكة والاو في بغداد (من اليمن ولبنان، حتّى للعيراق، حتّى لليبيا، حتّى لدوّال الخاليج).
الأخلاق ومحاربة أو على الأقل تاجنّوب “الفساد فالأرض” من الأبعاد الأساسية ديال بنادم؛ ولاكين ما-شي هيّا عداوة الخير/النعمة غير ما دامت بعيدة.
———י——–
1- إيديولوجية تامّارا (2011):
httpss://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-20-fevrier-et-ideologie-de-la-misere?fbclid=IwAR3GEqPLIr3AuAorCLrttmFXNXdkseZzr9gxEj95lHwF_LV6p84qZGMZ6p0
———-י———
2- من تقاليد “السلكة” إلى بدعة “الندوة العلمية” (يوليوز 2014)
httpss://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-de-la-tradition-sadaqa-au-colloque-scientifique-au-maroc