Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

أمايور : الحركة الأمازيغية ورهانات المرحلة ، أرضية للتداول والنقاش وتبادل الأفكار لمن يهمه أمر الخطاب الأمازيغي ..

تكمن قوة الحركة الأمازيغية في خطابها الاستشرافي الذي استطاعت من خلاله وبواسطته أن تقنع أعتى الخصوم، واصبح مع توالي السنوات خطابا مقبولا لدى كل الفاعلين، على رأسها المؤسسة الملكية التي فطنت مند تأسيس المعهد الملكي وإطلاق خطاب أجدير، إلى أن ورقة الأمازيغية ورقة مهمة وأساسية وحاسمة في التدافع نحو حيازة السلطة وممارستها؛ سواء رأينا أن هذه المؤسسة مقتنعة بأهمية الخطاب المتمحور حول الأمازيغية، أو اقتنعنا أنها تلعب أوراقها في ديمومة الصراع السياسي، فلن نختلف حول لعبها الدور المحوري في فتح المجال أمام “مقبولية” الخطاب الأمازيغي لدى شرائح واسع من المجتمع المغربي، خاصة النخب الحزبية التي لا تسطيع الوقوف في وجه التوجهات الملكية.
تتبعنا ما عاشته الأمازيغية في معاركها المحمومة وهي بصدد الولوج الى المؤسسات، كمعركة الحرف التي تدخلت فيها المؤسسة الملكية لحسم الجدال القائم إزاء الانقسام بين المؤيدين لهذا الحرف أو ذاك، كما تتبعنا لجنة المنوني وهي تعد دستو 2011 وكل المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب، ليس فقط بشأن موضوع الأمازيغية، بل أيضا قضايا تهم الديمقراطية في البلاد، وقد لاحظنا أن أغلب الأحزاب لم تسطتع أن تقدم “بدائل متقدمة” أكثر مما قدمته المؤسسة الملكية، ولولا حركة 20 فبراير التي رفعت السقف لما حضيت الأمازيغية بهذا الترسيم المعاق الذي نناقش الآن سبل تفعيله على أرض الواقع.
بطبيعة الحال، اعتبرت الحركة الأمازيغية منذ ظهور حركة 20 فبراير أحد الاطراف التي انخرطت في دينامية التغيير التي خلقت آنداك، وسميت بالربيع الديمقراطي .
أن الأساس التي تتأسست عليه حركة 20 فبراير لا يختلف كثيرا عن الأسس التي انطلقت منه الحركة الأمازيغية، على الأقل في الشق المتعلق بمطلب تغيير الواقع المغربي الى واقع يضمن نسبة أكبر من الحريات والحقوق، ويستشرف مستقبلا لهذا الشعب الذي ابتعد عن سكة التطور بفعل السياسات المتعاقبة، والتي يمكن إبرازها في ثالوث شعار الحركة الفبرايرية : حرية- كرامة – عدالة اجتماعية.
من الطبيعي جدا أن تتعالق الحركة الأمازيغية والحركة الفبرايرية، لانهما بالاساس حركتان احتجاجيتان، وتقترحان بديلا لما ينبغي أن يكون او على الأقل تطالبان بإحلال واقعا مكان الواقع.
بعد ترسيم الأمازيغية، وفشل الوصول الى السقف المطلوب الذي يتعلق بالديمقراطية الشاملة، وتوزيع عادل للثروات والقيم، انقسمت الحركة الأمازيغية الى فئتين:
فئة متطلعة الى أكثر مما تحقق، وعت أن المدخل الديمقراطي هو الكفيل بصون المكتسبات. وفئة واهمة بأن التغيير المنشود قد دخل المغرب سكته فعليا.
اندمجت الفئة الثانية في المبادرات الحزبية، واختارت الترشيح او إشهار الولاء لهذا الحزب أو ذاك، وكان منطقها في اختيار هذه الاحزاب هو موقفها من النقطة المتعلقة بترسيم الأمازيغية التي قدمتها هذه الأحزاب الى لجنة المنوني.
أما الفئة الاولى، فقد تركت مواقعها النضالية – بنسبة كبيرة- او اختارت الرجوع الى العمل الجمعوي الصرف، ومع توالي الوقت نما لديها الشعور باستحالة التغيير، وتمترست في مواقعها القديمة رافضة كل أشكال التفكير في العمل السياسي، رغم أن نسبة مهمة منها تعمل الى جانب مؤسسات الدولة، وبقيت النسبة الأخرى بعيدا عن كل تماس مع المؤسسات.
إن الزخم الذي خلقته الحركة الأمازيغية في فترة ما قبل لجنة البيان الأمازيغي او حتي ما قبل المعهد الملكي، زخم نضالي تقوى بفضل خطابها الذي امتاز في اعتقادنا بميزة أساسية، وهي خاصية ” الاستشراف”.
نعني بها، أنه خطاب يستشرف المستقبل ويقبض على مكامن الخلل، ويقترح بديلا لما يجب أن يكون عليه المغرب، أي الانتقال من مغرب يؤمن بالثقافة الواحدة والهوية المنفردة إلى مغرب يؤمن ويمارس تعدده في كل المجالات، بل أن هذا الخطاب قد فطن إلى ان الغنى والوحدة متحققة في التعدد أكثر مما يمكن ان تتحقق في “الواحد”.
تكمن في اعتقادنا المتواضع، قوة الطرح الأمازيغي في تكوين أطر مناضلة تمتلك من “ملكات” الاستشراف، و “بيداغوجيات” انتقاد القائم واقتراح البديل، ما يكفي ليؤهلها إلى مصاف النخب الغير التقليدية، تلك التي تحوز ما يكفي من أدوات النقد والتحليل والاقتراح، الى درجة تكاد تقترب من المثقف الشامل.
في مرحلة ما بعد دستور 2011، تحول المناضلون الأمازيغ، الدين أدرجناهم -سابقا- في الفئة الثانية، الى الانخراط الفعلي في المجال السياسي، عن طريق الالتحاق بجملة من الأحزاب كالتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والبام وغيرها… مما أدى الى تحول جوهري في الفعل النضالي الأمازيغي، وتحول معه المناضل الأمازيغي الذي كان قبل المعهد الملكي، “فاعلا يستشرف المستقبل” إلى “فاعل يدبر المجالس المنتخبة”، وتقلص بفعل هذا التحول بريق الخطاب الأمازيغي بل وتميزه أيضا.
إن إفشال تجربة الحزب الديمقراطي الأمازيغي – وليس فشلها- هو من صميم رغبة المخزن والقوى التي تسير في فلكه لجر السجاد تحت أقدام الخطاب الأمازيغي، ودفعه الى الاكتفاء بمحدودية غير قادرة على انتاج بدائل يمكن أن تقلق دواليب الدولة.
استمر إفشال المبادرات من نوع الحزب الديمقراطي الأمازيغي، واستمرت محاولات المخزن لدفع الفاعل الأمازيغي إلى الاقتناع باستحالة بناء إطار حزبي ذو مرجعية أمازيغية، ليقتنع هذا الفاعل أن الانخراط في الاحزاب الحالية هو خيار استراتيجي، دون أن يدرك أنه مدفوع دون وعي منه.
من الطبيعي جدا، ونحن نقرأ هذه السياقات، ان نصل إلى هذه المرحلة التي خرجت فيها دينامية الجبهة مؤخرا، لتؤكد أن المخزن قد نجح فعليا في جر الجميع إلى ما أراده، ليتحول الفاعل الامازيغي من فاعل يستشرف المستقبل ويقترخ بدائل جوهرية إلى فاعل يدبر سياسات الدولة دون تغيير يذكر، سواء تعلق الأمر بالمجالس المنتخبة او بقبة البرلمان، فالامر سيان، سيؤدي ذلك إلى ” توريط” الفاعل الامازيغي في معادلة انجاح التدبير او الفشل فيه، وسيتحول النقاش من قضايا جوهرية يتطلع الشعب لتحقيقها إلى أوراش بسيطة تهم هذا القطاع أو ذاك.
إن أكبر خطورة تهدد الخطاب الأمازيغي إدن، هي استئصال محركاته الخاصة بإنتاج الافكار الاستشرافية القادرة على تغيير بنيات الفساد والريع المكرسة للاعدالة واللامساواة في جميع المستويات، وقادرة على فتح المجال أمام انخراط حقيقي في سكة الدمقرطة وبناء دولة مدنية حديثة.

محمد بلقايد أميور فنان مسرحي وناشط أمازيغي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.