“أخبار الجنوب” : نهاية تجربة صغيرة في إعلام القرب !
بقلم الزميل ابراهيم وزيد مدير النشر.
في سياق وطني يتسم باستمرار حملة التضييق على الصحافة الحرة، صدر في الأيام الأخيرة حكم قضائي جنحي، يقضي ب"حجب الجريدة الالكترونية "أخبار الجنوب" الى حين ملائمتها مع قانون الصحافة (88-13).." رغم أن الجريدة المعنية مرخصة أصلا وفق ظهير الحريات العامة كما جرى تعديله وتتميمه ( قانون 77.00) وبالرغم أيضا من كون "عدم رجعية القوانين" مبدأ دستوري منصوص عليه في الدستور المغربي...
الحكم القضائي المذكور يضع نقطة نهاية لمسار إعلامي حافل بالتجارب، على امتداد عقد ونصف من الزمن كمراسل صحفي لمجموعة من الجرائد الوطنية سواء اليومية والأسبوعية والشهرية.. مسار كانت بدايته سنة 2005 في حقل الصحافة الموضوعاتية الامازيغية، مع جريدة "أگراو أمازيغ"، التي يديرها الأستاذ أوزين أحرضان. هذا الأخير، بالنسبة للذين لا يعرفونه، ليس فقط نجل المحجوبي أحرضان الزعيم التاريخي لحزب الحركة الشعبية، وإنما مؤسس أول تجربة في حقل الإعلام الأمازيغي المكتوب، من خلال تأسيس "Amazigh" في العام 1980 وهي مجلة باللغة الفرنسية تهتم بالثقافة الامازيغية، صدر منها ثمانية أعداد، ثم ما لبث الطاقم المشرف على المجلة بقيادة أوزين، أن أخرج عددا باللغة العربية، كان الأول والأخير، وتضمن مقالا للمؤرخ المرحوم علي صدقي أزايكو يطالب فيه بطرح ديمقراطي لثقافتنا الوطنية.. تمت محاكمة مدير المجلة اوزين أحرضان وصاحب المقال بسنة سجنا نافذة.. بعد مرور 16 سنة وتحديدا في العام 1996، ظهرت""أگراو أمازيغ"، التي صدر منها أكثر من 500 عدد. بعد سنوات من الصدور المنتظم، تم توقيفها سنة 2008، من طرف السيد امحند العنصر، اثر توحيد أحزاب الحركات الشعبية وما تبعه من توحيد المقرات الحزبية والمنابر الإعلامية....
بعد ذلك، جاءت تجربة الصحافة المستقلة، عندما كانت في أوج قوتها وقبل أن يتم تدجين معظم منابرها، كمتعاون مع أهم الجرائد المؤثرة آنذاك، والتي تربعت في صدارة الجرائد المغربية الأكثر مبيعا طيلة سنوات، حيث كنت مراسلا معتمدا لجريدة “المساء” خلال الفترة الممتدة من 2006 الى 2008 بعد تأسيسها من طرف الثنائي رشيد نيني وتوفيق بوعشرين (لطف الله به وفك كربته)، قبل أن تفترق بهما السبل، ويختار كل منهما مسارا مناقضا للآخر..
وبعد إطلاق المغرب ورش الجهوية الموسعة في العام 2007 بالتزامن مع اقتراح خيار الحكم الذاتي كحل نهائي لقضية الصحراء المغربية، انخرطنا في ورش الجهوية على الصعيد الإعلامي، من خلال تجربة “أخبار الجنوب” (يونيو 2007 ) الى جانب السياق الوطني حول الجهوية الموسعة، كان الباعث الشخصي وراء إطلاق تجربة “أخبار الجنوب”، هي تجميع المواد التي كنت أبعثها الى جريدة “المساء”، بصفتي مراسلا لها ونشرها بشكل مفصل في جريدة جهوية متخصصة، كما كان يفعل الجندي والمراسل الاسباني Pedro Antonio de Alarcón مؤسس أول جريدة ورقية بالمغرب في العام 1860، وهي:«El éco de Tetuan»، وتعني “صدى تطوان” باللغة الإسبانية.. ولعل سوء الحظ الذي تعيشه الصحافة بالمغرب، راجع الى كون مؤسس أول جريدة مغربية كان جنديا، وبالتالي ظلت الصحافة ببلادنا رهينة حروب مختلفة مع السلطة، لم تخرج منها الى اليوم..
كانت “أخبار الجنوب” تجربة صغيرة، تندرج ضمن تجارب مسلسل إعلام الحقيقة الذي يخاطب ذكاء القارئ، عوض إعلام “العام زين”، الذي يقدم أنصاف الحقائق لكي يستبلد القارئ. صدر من الجريدة الورقية، 65 عددا على امتداد 12 سنة بمعدل خمسة أعداد ونصف في السنة.. قبل أن تتوقف الصيغة الورقية للجريدة عن الصدور في العام 2019 فيما استمرت النسخة الالكترونية في النشر الى غاية سنة 2020 حيث صدر حكم قضائي استعجالي، يقضي بحجب الموقع الالكتروني للجريدة، بدعوى “عدم الملائمة مع قانون الصحافة والنشر الجديد”..
قبل إغلاق قوس “أخبار الجنوب”، يقتضي المقام أن نتقدم بالشكر الجزيل لكل الذين ساهموا في إخراج التجربة الفتية الى حيز الوجود والمساهمين في إنجاحها عبر تدعيمها في مختلف المحطات والهزات التي تعرضت لها، ومنهم المتعاونون: الحسين أرجدال، سعيد الفرواح، رشيد متوكل، نجيب نحاس، عبد الله أكناو.. ثم كتاب الرأي: احمد الخنبوبي، بوبكر أنغير، رشيد نجيب سيفاو.. وفي الإخراج الفني: السيد عبد الوهاب بوشطرت (باها) وفي الجانب القانوني: النقيب عبد اللطيف أوعمو والمحامون: الأستاذ عبد الله بومهدي، الأستاذ الناجم گوغرابو، الأستاذ الحسن اللمطي، الأستاذ محمد كوجان.. وفي الطباعة: السيد عبد السلام البنوري مسير مطبعة “العهد الجديد” بالرباط، والسيد رشيد بوروة مسير مطبعة “انفو برنت” بالرباط.. واستسمح إن خانتني الذاكرة في السهو عن أسماء أخرى..
الى اللقاء في تجربة إعلامية جديدة..