أحمد عصيد : هوية البطاقة وهوية المواطنين.
ترمز بطاقة الهوية، أي بطاقة التعريف الوطنية، إلى هوية حاملها بوصفه مواطنا للدولة، وذلك من خلال تحديد اسمه ونسبه العائلي وسنة ميلاده ثم صورته وعنوان سكنه. إن الهوية هنا هي هوية مواطنة وانتماء للدولة الوطنية، ولهذا تعكس هذه البطاقة أيضا من خلال هوية الشخص هوية الدولة نفسها، عبر اللغة المستعملة والأسماء الشخصية وجغرافيا الانتماء، وعندما يطرأ تغيير ما على الدولة ينعكس ذلك حتما على هوية مواطنيها وبالتالي على بطاقتها الوطنية، كمثل أن تعترف الدولة بلغة من لغاتها أو بمكون من مكوناتها الهوياتية، أو أن تنتقل الدولة من نموذج سياسي إلى آخر، حيث نجد لذلك أثرا مباشرا في البطاقة ذاتها، وذلك حتى لا تقع الدولة في مشكلة أن تصبح “هوية البطاقة” مفارقة لهوية المواطنين وغير معبرة عن الوضع الجديد للدولة، ما قد يؤدي إلى عدم شعور هؤلاء المواطنين برابطة الولاء والانتماء للدولة عبر بطاقة التعريف بسبب عدم احترام الدولة لهم، وهذه هي الحالة التي تتجه بنا نحوها وزارة الداخلية المغربية: أن نحمل بطائق تشير إلى هوية الدولة والسلطة، لكنها ليست بالضرورة هويتنا، أو لنقل إنها هويتنا كما تنظر إلينا السلطة، وكما تريدنا أن نكون: عربا بقبعة لاتينية.
سيقول قائل إن هذا الوضع ليس جديدا بالنسبة لنا، فالدولة المغربية منذ استقلالها سنة 1956 وهي تفرض هويتها الخاصة في أوراق هوتينا تحت شعار “العروبة والإسلام”، مع الانفتاح على الفرنكوفونية والإرث الكولونيالي للدولة الحامية من خلال الازدواجية عربية ـ فرنسية، في ذلك الوقت كانت الأمازيغية ـ الهوية الأكثر عراقة على الأرض المغربية ـ ترمز للتفرقة وللاستعمار، وكانت “العروبة” القادمة من جزيرة العرب إطارا يعتبر “وطنيا” و”جامعا”، بل حتى الفرنسية اعتبرت “جامعة” للمغاربة لأنهم يتعلمونها في المدرسة.
ولأنه لا يصحّ إلا الصحيح، فقد انقلبت الآية في النهاية وحكم التاريخ بأن تعود الأمور إلى وضعها المنطقي مع دستور 2011، بعد 55 سنة من التمييز الثقافي واللغوي والهوياتي، وكانت تلك نهاية مهزلة إنكار الدولة لهوية أبنائها في قانونها الأسمى، ليختفي النقاش القديم الذي أضاع نصف قرن من تاريخنا الحديث، كنا خلاله نؤدي ضرائبنا للدولة ونعيش بهوية قسرية ومصطنعة، ليظهر بعد ذلك نقاش كاريكاتوري بقناع الأعذار “التقنية”، وهو نقاش بصيغة “نعم ولكن لا”، والجميع يعلم أن ذلك ضربٌ من العبث لا معنى له سوى إضاعة مزيد من الوقت، وعرقلة التغيير من طرف عقليات الجمود والتخلف.
إن ما ينبغي أن تحمله البطاقة الوطنية للتعريف الجديدة، سواء في لغاتها أو أحرفها، هو ما يرمز لهوية جميع مواطنيها بدون استثناء، وإننا لنستغرب من حرص السلطة على هوية الدولة الفرنسية الحامية مرموزا إليها بحروفها اللاتينية، أكثر من حرصها على هوية الأرض المغربية وسكانها.
تبشرنا السلطة بجيل جديد من البطاقة الوطنية الإلكترونية، وهذا من مظاهر الحداثة، لكنها حداثة شكلية لا تتعدى المستوى التقني، بينما يقتضي مسلسل التحديث مراعاة الدستور والقوانين، إذ من مظاهر الحداثة احترام الدولة لالتزاماتها ، واحترامها لحقوق الإنسان والمساواة بين جميع مواطنيها.
لن نقبل ببطاقة هوية لا تحترم الدستور ولا تحترم كياننا، والعذر “التقني” الذي تقدمه السلطة له حل “تقني” هو كتابة المعلومات العامة المحايدة بالحروف الأمازيغية، وهي أغلبية المعلومات في البطاقة الوطنية، في انتظار تسوية مشكل الحالة المدنية الذي تتحمل السلطة مسؤوليته منذ سنوات، لأنها عندما تريد شيئا إنما تقول له كن فيكون.